مأزق الانقسام داخل «الوفاق»
 تاريخ النشر : الأحد ١ يناير ٢٠١٢
لاحظ كثير من المراقبين بعد جريمة اعتداء المتظاهرين في النويدرات على سيارات دوريات الشرطة بقنابل المولوتوف قبل يومين أن المتورطين في هذه الجريمة قاموا بتصوير مجريات وتفاصيل هذا الاعتداء الارهابي بكاميرات الفيديو، ثم عرضوا الفيلم على موقع «اليوتيوب» على شبكة الانترنت، حيث تداولتها بعد ذلك العديد من المواقع الالكترونية.
وقد أكدت مصادر مطلعة أنه بعد فضيحة الاعتداء الارهابي والتصوير بالفيديو تفجرت خلافات حادة بين قيادات المعارضة، وخاصة داخل جمعية «الوفاق»، لأن الاعتداء بالمولوتوف يفضح تماما دعاوى وشعارات «السلمية» التي ظلت المعارصة تروج لها طوال الشهور الماضية.
فمن يشاهد شريط فيديو تصوير حادث الاعتداء الغاشم يدرك على الفور انه نتاج عملية جرى التخطيط لها منذ زمن وتم تنفيذها مع سبق الاصرار والترصد.
وقد تبين، الآن، أن الاعتداء بالمولوتوف على الشرطة في النويدرات كان جزءا من مخطط أوسع لإشاعة الاضطرابات والتخريب في معظم مناطق البلاد، وهو ما ظهر في أعمال التخريب والحرق والاعتداءات الاجرامية التي نفذها المخربون يوم أمس في منطقة سترة ومحاولتهم حرق مركز الشرطة هناك، بالإضافة إلى محاولة اغلاق الشوارع الرئيسية في البلاد ليلة الاحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة، مما يعكس مخططا إرهابيا كبيرا لإشاعة الفوضى والاضطرابات في عموم البلاد.
لكن اللافت للنظر ويستحق التساؤل حقا هو لماذا لم تسارع الجمعيات المعارضة الرافضة للحوار الى إدانة هذا الاعتداء الارهابي على رجال الشرطة اذا كانوا يؤمنون فعلا بالحوار السلمي سبيلا لتجاوز الازمة التي تمر بها البلاد؟
لقد كشف هذا الاعتداء الارهابي مظاهر الانقسام والخلافات المحتدمة داخل المعارضة «الوفاقية»، فهناك خط متشدد يريد الانخراط في مخطط عنيف لتصعيد الاعتداءات الارهابية، وهناك فريق آخر يخشى من عواقب ذلك، ويحاول التراجع عن هذه الأساليب المتهورة وغير العقلانية، لكنهم حتى الآن لا يمتلكون الشجاعة الأدبية والسياسية لإعلان موقفهم هذا خوفا من محاسبة الموالين لهم.
لكن الواضح ان قيادة المعارضة «الوفاقية» أصبحت تحت هيمنة الخط المتطرف، بمعنى ان الوجوه البارزة المعروفة على الساحة لم تعد لها الكلمة الفصل أو التأثير الحاسم في مواقف «الوفاق» إلا اذا اتبعوا دعاة الخط المتطرف الذي تتبناه بالذات الجماعات القريبة من «الوفاق» والمتحالفة معها.
ان البعض في قيادات المعارضة يعتقدون انهم اذا راجعوا حساباتهم وأعادوا تصويب مواقفهم عبر التراجع عن المواقف السياسية غير العقلانية وغير الموضوعية، فإنهم بذلك - كما يظنون - سيكونون الطرف الخاسر.
ونحن نقول لهؤلاء ان السياسة منذ فجر التاريخ هي فن الممكن وليس الاصرار على المطالبة بالمستحيل.
ونحن ما زلنا نتمنى من رجال الدين العقلاء في الطائفة الجعفرية الكريمة أن يعلنوا من فوق منابرهم ومن مساجدهم أمام الرأي العام الوطني والإقليمي والدولي أنهم يرفضون العنف والأعمال الارهابية ويقفون ضد المواقف المتطرفة، لأن التجربة أثبتت للجميع أن استمرار الأزمة فيه خسارة للأطراف كافة.
لقد أدى مأزق التردد وعدم وضوح المواقف في أركان المعارضة، الى أن بعض العقلاء الذين حاولوا في بعض الأوقات القيام بجهود وساطة لم يجدوا من يستمع اليهم لأنهم عجزوا عن أن يعلنوا إدانتهم لأعمال العنف والاعتداءات الارهابية والسلوكيات التخريبية، مما أضعف موقفهم ومصداقيتهم، لأنهم لم يجرؤوا على اتخاذ الموقف الوطني والأخلاقي السليم في إدانة أعمال العنف والارهاب، ومن بين هؤلاء من انشقوا عن «الوفاق».
ان ما نحتاج اليه الآن بصفتنا شعبا وأمة واحدة هو أن يرتفع الصوت الوطني المخلص من كل الأطراف لاعلان إدانة الارهاب وأعمال العنف، بحيث يكون هذا الموقف المبدئي والوطني الواضح ركيزة لاعادة بناء جسور الثقة بين جميع المواطنين والقوى السياسية من كل الأطياف في هذا المجتمع.
إن هذا هو النداء الوطني الذي نأمل أن يستمع إليه كل العقلاء في هذا الوطن قبل فوات الأوان.
.