الثقافة السياسية
الإصلاح السياسي
 تاريخ النشر : الأحد ١ يناير ٢٠١٢
يتردد الإصلاح السياسي كثيراً عبر وسائل الإعلام. وهو كمفردة سياسية شائعة وكثيرة الاستخدام ولكن معانيها ومفهومها قد لا يكون واضحاً لدى العديد من الأفراد. وسبب ذلك أن الإصلاح مفهوم غير واضح المعالم، وليس له حدود، فضلاً عن أن هذا المفهوم يستخدم في الخطاب السياسي للبرلمانيين والسياسيين وغيرهم، وبالتالي يختلف تفسير واستخدام هذا المفهوم من طرف لآخر طبقاً لمنظوره الخاص.
والسؤال في البداية، ماذا نقصد بالإصلاح السياسي؟
الإصلاح السياسي عبارة عن عملية متواصلة تتضمن إجراءات وسياسات معينة تضمن تحقيق التغيير نحو الأفضل خلال فترة زمنية غير محددة.
ولنشرح قليلاً هذا التعريف المبسط للإصلاح السياسي. ففيما يتعلق بكونه عملية فإنه يعني سلسلة من الأحداث المتواصلة التي لا تتوقف، وتكون عادة لتقييم الأفراد والمؤسسات. أما الإجراءات والسياسات فالمقصود بها القيام بتغييرات من خلال إصدار قوانين أو قرارات أو مراسيم جديدة تساعد على تكوين واقع جديد في المجتمع. ويشترط هنا أن يقود الإصلاح إلى الأفضل، رغم أن الواقع الأفضل مسألة نسبية لا يمكن تعميمها على جميع الأفراد، ومن الصعوبة بمكان الاتفاق على ذلك بحكم تعدد وجهات نظر الأفراد.
واللافت في الإصلاح السياسي أنه يتم خلال فترة زمنية غير محددة، بمعنى أنه لا توجد فترات زمنية حتى يمكن القول إن الإصلاح حدث في هذا المجتمع أو ذلك، والسبب أن الإصلاح يستغرق وقتاً طويلاً حتى تظهر نتائجه، وفي الوقت نفسه يعد عملية متواصلة لا تتوقف، ويرتبط تطورها بتطور المجتمع نفسه.
إذا تم تطبيق هذا التعريف المبسط للإصلاح السياسي على تجربة مملكة البحرين، سنجد أن الإصلاحات التي دشنها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى بمشروع ميثاق العمل الوطني والاستفتاء الشعبي عليه في منتصف فبراير ٢٠٠١، وعقب ذلك البدء في سلسلة من التشريعات لتفعيل ما تم التوافق عليه في ميثاق العمل الوطني أبرزها التعديلات الدستورية التي تمت في منتصف فبراير .٢٠٠٢ وقد اسهمت هذه التعديلات في إنشاء العديد من المؤسسات الدستورية والسياسية مثل المجلس الوطني (البرلمان) والمحكمة الدستورية والنيابة العامة وديوان الرقابة المالية والإدارية ومجلس المناقصات والمجالس البلدية الخمسة، وغيرها من المؤسسات الدستورية. بالإضافة إلى إطلاق الحريات العامة للأفراد ومنها الحقوق السياسية بإنشاء الجمعيات السياسية وتأسيس عدد من الصحف المحلية والسماح للمواطنين من الجنسين بالمشاركة في الانتخابات البلدية والتشريعية، وحق التعبير عن الرأي والتجمع.. إلخ.
ننتقل الى سؤال آخر، لماذا يتم الإصلاح السياسي في الدول؟ ولماذا يطالب به البعض؟
أسباب الإصلاح السياسي متعددة، ولكنها تتعلق بالتغيير نحو الأفضل. فعندما يتم الإصلاح السياسي عادة ما يرتبط ذلك بالرغبة والقناعة بين مجموعة من الأطراف في تغيير الوضع الراهن إلى وضع مختلف أفضل من خلال إحداث الإصلاحات.
أيضاً من الأسباب المهمة للغاية المتعلقة بالإصلاح السياسي أنها تتيح المجال أمام مزيد من الحريات، وتعزيز المواطنة القائمة على الحقوق والواجبات، وتتيح للأفراد التعبير عن مطالبهم وحماية مصالحهم. كما أنها تساعد على تحقيق درجة مرتفعة من الاستقرار السياسي بشكل تدريجي، خاصة على المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك فإن الإصلاح يساعد على ايجاد شراكات بين كل الأطراف في المجتمع سواء كانت نخبة حاكمة، أو جماعات إثنية، أو جمعيات وقوى سياسية، أو مؤسسات المجتمع المدني، وتضمن أن يكون لجميع هذه الأطراف دور في صنع القرار وتقييمه.
الإصلاح يرتبط بالتغيير، ولكن من المهم أن يتم الإصلاح بشكل تدريجي وبشكل مستمر، والهدف من ذلك ضمان الاستقرار السياسي والأمني من وراء الإصلاحات. إذ من الطبيعي أن تواجه المجتمعات التي تشهد إصلاحات سياسية تحديات كثيرة تتعلق بعدم استيعاب مكونات المجتمع لهذه الإصلاحات، أو أن يكون لها وجهات نظر معينة تجاه الإصلاحات. الأمر الذي يتطلب الاستمرار في الإصلاحات التدريجية، إذ لا يمكن أن يقبل المجتمع الإصلاحات السياسية بشكل سريع بسبب اختلاف الآراء والمصالح، ويمكن معالجة ذلك من خلال المزيد من الإصلاحات ومواصلتها.
من المسائل التي تثار حول الإصلاح السياسي مدى وجود حدود للإصلاح نفسه، وما إذا كانت هناك خطوط حمراء؟
خلال عملية الإصلاح لا توجد حدود معينة للإصلاح، ولكن المجتمع نفسه عادة ما يرسم حدود الإصلاحات طبقاً لظروفه وطبقاً لخصائص المجتمع. ولذلك نجد أن ميثاق العمل الوطني رسم الإصلاحات من خلال الثوابت الوطنية التي تم إقرارها في الاستفتاء الشعبي، وهي ما تم الالتزام بها في التعديلات الدستورية التي أجريت لاحقاً. بالإضافة إلى ذلك فإن الدستور حدد الكيفية التي يتم عبرها إجراء التعديل لحدود الإصلاح السياسي بشروط واضحة ومكتوبة.
حوار التوافق الوطني طرح العديد من المرئيات المتعلقة بإجراء المزيد من الإصلاحات السياسية، وهو ما أكدته القيادة السياسية وأعلنت التزامها بهذه المرئيات التي تم البدء في تنفيذها من خلال تعديل السياسات الحكومية، وفي الوقت نفسه إعداد مشروعات القوانين اللازمة لتنفيذ حزمة إصلاحات سياسية جديدة يتوقع أن تشهدها البلاد قريباً. ومن المتوقع كذلك أن يتم إجراء تعديلات دستورية من قبل أعضاء مجلسي الشورى والنواب تتضمن تعديلاً في شكل السلطة التشريعية (البرلمان)، وكذلك العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية (الحكومة).
الإصلاح السياسي عملية مستمرة، ويجب أن تستمر لأنها صمام الأمان في أي مجتمع تجاه أي أزمة أو حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي. كما أنها تحافظ على مكونات المجتمع من خلال تعزيز الوحدة الوطنية.
معهد البحرين للتنمية السياسية
.