هل تصل الأمور إلى حد القطيعة بين تركيا وفرنسا؟
تاريخ النشر : الأحد ١ يناير ٢٠١٢
في تصاعد مستمر للأزمة القائمة بين تركيا وفرنسا على خلفية تصديق باريس على مشروع قانون يجرم إنكار إبادة الأرمن على يد الجيش العثماني في الفترة من 1915 إلى 1917، زادت حدة الحرب الكلامية سخونة وتصعيدا بين حكومتي البلدين.
وكانت تركيا قد ردت على الادعاءات الفرنسية حول ارتكاب الأتراك العثمانيين الإبادة الجماعية في حق الأرمن باتهام مقابل، حيث اتهمت فرنسا بارتكاب إبادة جماعية خلال فترة استعمارها للجزائر. ويأتي هذا بعد أن قام أعضاء الجمعية العامة الفرنسية بتمرير مشروع قانون يجرم إنكار كون «أعمال القتل الجماعي للأرمن» على أيدي الأتراك العثمانيين تمثل «إبادة جماعية».
غير أن مشاعر العداء المتزايد بين حليفين استراتيجيين وشريكين تجاريين يمكن أن تكون لها تداعيات أكبر من تصفية الحسابات حول واحدة من أكثر حلقات القرن الماضي دموية، ولاسيما أن تركيا تشعر بإحباط وخيبة أمل منذ بعض الوقت بسبب المعارضة الفرنسية لمحاولة انضمامها للاتحاد الأوروبي. ونتيجة لذلك، فإن الآمال في حدوث تقارب مدعوم من قبل الغرب بين تركيا وأرمينيا قبل عام 2015، وهي السنة التي تصادف الذكرى المائة لقتل الأرمن، باتت اليوم تبدو أبعد من أي وقت مضى.
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي:
يلمس مشروع القانون الفرنسي صميم الشرف الوطني في تركيا، التي تشدد على أنه لم تكن ثمة حملة ممنهجة لقتل الأرمن وأن العديد من الأتراك ماتوا أيضاً خلال تفكك الإمبراطورية العثمانية وسط حالة من الفوضى. ورغم أن مشروع القانون مازال بحاجة إلى موافقة مجلس الشيوخ عليه حتى يصبح قانوناً، فإنه ما إن مر من الغرفة السفلى للبرلمان حتى قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بوقف الاتصالات السياسية والاقتصادية الثنائية وتعليق التعاون العسكري مع فرنسا، كما أمر سفير بلاده لدى باريس بالعودة إلى تركيا من أجل التشاور.
الجدير بالذكر في هذا الإطار أن تركيا وفرنسا تعاونتا بشكل وثيق خلال العمليات التي قام بها حلف شمال الأطلسي ضد نظام العقيد الليبي معمر القذافي، كما أنهما كانتا تنسقان السياسات بينهما بشأن سوريا وأفغانستان.
يحرقون في الأفران
وقال أردوغان في خطاب تضمن انتقادات للرئيس الفرنسي: «إن ما فعله الفرنسيون في الجزائر كان إبادة جماعية». وفي هذا الإطار، اكد أردوغان أن نحو 15 في المائة من سكان الجزائر تعرضوا للقتل على أيدي الفرنسيين في أوائل عام 1945، وأن الجزائريين كانوا يحرقون في الأفران، ثم قال: «لقد كانوا يقتلون من دون رحمة».
وبدا أن أردوغان كان يحيل إلى ادعاءات حول قيام الفرنسيين بإحراق الموتى في أفران بعد انتفاضة بدأت عام 1945 في مدينة سطيف الجزائرية. غير أن الجزائريين يقولون إن نحو 45 ألف شخص ربما يكونون قد ماتوا خلال تلك الفترة، بينما تشير الأرقام الفرنسية إلى ما قد يصل إلى 20 ألفاً.
وقال أردوغان أيضاً إن تمرير مشروع القانون الفرنسي «يشكل مثالاً واضحاً للكيفية التي بلغت بها العنصرية والتمييز ومشاعر معاداة المسلمين مستويات مرتفعة جديدة في فرنسا وأوروبا»، مضيفاً أن «طموح ساركوزي هو الفوز في انتخابات الرئاسة بناء على الترويج لمشاعر الحقد والعداء ضد الأتراك والمسلمين».
يذكر هنا أن فرنسا ستجري انتخابات رئاسية في أبريل المقبل.
تقهقر اوروبا
من جانبه، قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إن التصويت الفرنسي يشبه محاولات بعض حكام الشرق الأوسط قمع حرية التعبير. وقال أوغلو في مؤتمر للسفراء الأتراك في العاصمة أنقرة إن «أوروبا تقهقرت فلسفيا وأيديولوجيا إلى العصور الوسطى».
من جانبه، وصف نائب رئيس الوزراء التركي علي باباجان هذا القانون بأنه تجسيد لغياب العقل الذي يتجلى للناظر إلى أوروبا التي تسيطر عليها العقلية نفسها التي أدت بها إلى كارثة اقتصادية.
وكانت فرنسا قـد اعترفت رسميا، في عام 2001، بأعمال القتل التي تعرض لها الأرمن باعتبارها إبادة جماعية، لكنها لم تصدر أي قانون يعاقب من ينفي ذلك. وينص مشروع القانون الفرنسي الجديد على عقوبة قد تصل إلى سنة سجناً وغرامة 45 ألف يورو ضد كل من ينكر أو «يقلل على نحو شائن من شأن» أعمال القتل التي تعرض لها الأرمن، ما يضع مثل هذا العمل على قدم المساواة مع إنكار الهولوكوست.
وقال ساركوزي في براغ، حيث حضر جنازة فاكلاف هافل، المعارض الذي أصبح رئيساً لجمهورية التشيك، إن فرنسا ملتزمة بحقوق الإنسان واحترام «الذكرى التاريخية». وقال في مقطع بث على التلفزيون: «إن فرنسا لا تلقي دروساً على أحد، لكنها أيضاً لا تنوي تلقيها من أحد»، مضيفاً: «إنني أحترم قناعات أصدقائنا الأتراك، فتركيا بلد كبير وحضارة عظيمة، لكن يجب عليهم أن يحترموا قناعاتنا. إن تخلي المرء عن قناعاته هو دائما جبن، والمرء عادة ما ينتهي به الأمر إلى دفع ثمن الجبن» بدوره، قال الوزير الفرنسي السابق باتريك ديفيدجان ان تركيا «تهدد الجميع» و«ليست بلد حقوق الانسان».
واكد ديفيدجان وزير الصناعة السابق والنائب الحالي في الحزب الرئاسي «ان تركيا هددت في اقل من عام اكثر من سبع دول فهل تعتقدون انه اسلوب جيد لاقامة علاقات دولية؟». واضاف «انني أومن كثيرا بالمجتمع المدني التركي. وللأسف عندما يكون لتركيا شخص لامع مثل اورهان باموك حائز جائزة نوبل (للآداب في 2006) فهي تلاحقه لانه يقول ان ابادة الارمن حقيقة». وشدد «في بلادنا نطالب بأن تكف تركيا عن نشر معلومات تنكر الابادة». ودان ايضا «مظاهر العنف التي نظمتها الدولة التركية على اراضينا بمناسبة النقاشات» حول مشروع القانون هذا.
ويقول معظم المؤرخين إن قتل العثمانيين لما قد يصل إلى 1,5 مليون أرمني، شكل أول إبادة جماعية في القرن العشرين، غير أن هذا الموضوع محفوف بالمخاطر بالنسبة لأي بلد يرغب في تحالف قوي مع تركيا، التي تمثل قوة صاعدة. وفي هذا الإطار، قرر الرئيس الأمريكي باراك أوباما تحاشي وصف أعمال القتل في حديثه عن تلك «الإبادة الجماعية».
وقالت اللجنة الوطنية الأرمنية في الولايات المتحدة إن التصويت الفرنسي «يعزز الإجماع الدولي المتنامي والضغوط المتزايدة على تركيا بشأن تسوية صادقة وعادلة للإبادة الجماعية التي تعرض لها الأرمن».
طلب تركي
من جهتها، طلبت تركيا إلى فرنسا الانسحاب من مهام الرئيس المشارك لمجموعة «مينسك» جراء فقد دورها الحيادي ومصداقيتها بدور الوساطة بين الأطراف المتنازعة «أذربيجان وأرمينيا» بعد تصديق الجمعية الوطنية الفرنسية على القانون المذكور، وذكرت صحف تركية مختلفة أن أذربيجان قدمت دعمها المطلق للطلب التركي بتخلي فرنسا عن منصبها في اشارة الى ان القرار لا رجعة عنه. تجدر الاشارة الى ان مجموعة مينسك كانت قد تأسست في عام 1992 من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بهدف حث أذربيجان وأرمينيا على إيجاد حل سلمي لمشكلة إقليم «نارغورنو كاراباخ» المتنازع عليه.
وما بين فرنسا وتركيا دخلت إسرائيل على الخط، حيث بحثت لجنة التربية والتعليم التابعة للكنيست الإسرائيلي موضوع المجزرة بعد ان رفض رئيس الكنيست رؤوفين ريفلين طلب حكومة إسرائيل عدم بحث هذا الموضوع وقال إنه لا علاقة لذلك بالأزمة في العلاقات بين إسرائيل وتركيا.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن ريفلين قوله خلال اجتماع اللجنة البرلمانية إنه «يتم طرح هذا الموضوع ليس لأنه حدثت أمور بين إسرائيل وتركيا ولا لأننا نريد استغلال وضع سياسي (مع تركيا) من أجل محاسبة أحد فمنذ عام 1989 تم تقديم اقتراحات لجدول أعمال الكنيست حول موضوع كارثة الشعب الأرمني».
يشار إلى أن عضوي الكنيست أرييه إلداد من كتلة الوحدة القومية اليمينية المتطرفة وزهافا غلئون من حزب ميرتس بادرا إلى هذا البحث.