قضايا و آراء
حاجتنا إلى معارضة ديمقراطية ومسئولة
تاريخ النشر : الأحد ١ يناير ٢٠١٢
العالم اليوم يجمع على رفض الاستبداد السياسي والقوانين والأحكام الاستثنائية واحتكار السلطة والاستئثار بالقرار الوطني وتغييب الآخر وإقصائه وإلغائه، حتى لا يؤدي ذلك إلى فقد الشرعية وتمزق الوحدة الوطنية وضرب قيم السيادة والمواطنة، وتغييب الحوار وصيرورة الفساد.
هذا الإجماع يشمل «السلطة الرشيدة» بالمعايير السياسية والأخلاقية والشعبية، التي اختارت طريق البقاء من خلال التوافق مع الشعب، ومن خلال قيم المشاركة والمحاسبة والشفافية والعدل والعدالة، كما هي محل إجماع من قبل المعارضة المستنيرة والديمقراطية، ولا يكاد يقف ضد هذا الإجماع إلا عدد محدود من الذين لم يستوعبوا الدرس التاريخي، أو لم تصل إليهم رسالة العصر، أو الذين يرفضون التحول الديمقراطي لأسباب أيديولوجية تتعلق بمفهوم معاد للديمقراطية.
وإذا كان الجدل مع السلطة السياسية التي اختارت الديمقراطية نهجا والمشاركة الشعبية في السلطة طريقا، قد أصبح ممكنا بعد التحول الديمقراطي وضمان الحريات، ومنها حرية التعبير، فان أمر الجدل مع المعارضة والمعارضين من مفردات المسألة الديمقراطية أو من الممارسات على الأرض، ليس من السهل تحقيقه من دون التعرض للاتهام حيث تحولت المعارضة عندنا إلى «مقدس» خاصة تلك المعارضة التي تحتمي بأنواع المرجعيات التي تصنف بالمقدسة، ولذلك فان أي نقاش معها حول هويتها أو لتقييم سلوكها أو برامجها ومواقفها لا يواجه إلا بالرفض والتشكيك.
ولعل أي مقاربة لمناقشة ممارسات المعارضة تحتاج بداية إلى تحديد مفهوم المعارضة التي نقصد، فهي تلك القوى التي تحمل مشروعاً لإعادة بناء المجتمع وإصلاح أحواله وبناء نموذجها البديل بقوة الإقناع بالوسائل السلمية، انسجاما مع حدود ومحتوى البرنامج السياسي وأشكال النضال التي على أساسها تعارض هذه المعارضة ما هو قائم،وهي تلك القوى التي نشأت وتطورت تاريخيا بوصفها معارضة ديمقراطية استمدت شرعية حضورها وتميزها من وضوح برامجها السياسية ومن اعتمادها النشاط السلمي أسلوبا في نضالها، وهي أيضا التي تنشد التغيير الديمقراطي، بوعي ومسئولية، قادرة على كسب ثقة المجتمع عبر استنباط المهام المناسبة من دون مغالاة أو تطرف، وعبر نجاحها في تأكيد احترامها للآخر موقفاً وسلوكاً، خاصة لجهة نشر وترسيخ الوعي والمسئولية ضمن القواعد التي تحفظ للمجتمع توازنه واستمراره وسلمه الأهلي، من دون مناورات أو التفاف، الأمر الذي يفترض من جميع القوى التي تناضل من اجل ترسيخ الديمقراطية، وإنجاح المشروع الإصلاحي، أن تصطف وراء هذا الهدف الاستراتيجي الذي ينسجم مع حركة التاريخ، فيكون الموقف الديمقراطي والتقدمي انسجاما مع التوجه الإصلاحي، لا إحراجا له ولا دفعا به إلى الخلف من خلال ممارسات لا ديمقراطية ومنها الممارسات العنيفة أو الفوضوية المحرضة ضد المشروع والمربكة له بما يسهم في تأخر تحقيق نتائج ايجابية، بما في ذلك النتائج على صعيد الانجاز الديمقراطي نفسه، حيث ان النكوص أو التراجع في هذا المجال يخدم القوى المعادية للديمقراطية التي ما فتئت تبرر الدعوات إلى العودة إلى الوراء استنادا إلى تلك المواقف العبثية والتصرفات العنيفة العدمية.