الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٣٧ - الاثنين ٢ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٨ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


لماذا يتخلى علي الصالح عن مسئوليته؟!





اكن تقديرا كبيرا للأستاذ علي الصالح، واعرف كما يعرف الكل دوره واسهاماته في العمل الوطني في البحرين منذ عقود مضت في كل المواقع التي احتلها والمهام التي اوكلت اليه.

وحين قرر جلالة الملك اختيار الأستاذ علي الصالح ليترأس اللجنة الوطنية المعنية بتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق، كنت من الذين استحسنوا كثيرا هذا الاختيار، وتأملوا خيرا من رئاسته للجنة. واذكر انني التقيته في إحدى المناسبات العامة وسألته عن عمل اللجنة، ووجدته متفائلا كثيرا بما سوف تفعله وبما سوف تسهم به في الخروج من الأزمة في البلاد.

ومع هذا، لم استطع بصراحة لا ان افهم ولا ان اتفهم تماما، السبب الذي يدفعه الى تقديم استقالته والتخلي عن مسئوليته في رئاسة اللجنة.

حسب ما جاء في نص الخطاب الذي بعث به الى جلالة الملك، فإن الذي دفعه الى الاستقالة هو قيام البعض بتوجيه انتقادات علنية له، اعتبرها «تشكك في نزاهته وتطعن في صدقه وأمانته».

والحق ان هذا ليس سببا وجيها مقبولا كي يتخلى عن مسئوليته في ظل الظروف الحالية التي تمر بها البلاد.

لماذا؟

١ ؟ الذين وجهوا إليه انتقادات، ايا كانت، لم يرتكبوا جريمة اصلا.

اعني ان من حق أي احد بداهة ان يوجه أي انتقادات يراها لأي مسئول يتولى موقع مسئولية في أي مكان وموقع، وان يتحدث عما يراه اوجه قصور او تقصير.

من المفهوم ان الشرط الاساسي هنا هو ان أي انتقاد يجب ان يكون له ما يبرره فعلا، وان يكون الدافع هو المصلحة العامة، لا استهدافا شخصيا للمسئول.

اقول هذا من حيث المبدأ، بغض النظر عن مدى الخطأ او الصواب، او التجاوز او عدم التجاوز فيما وجهه البعض من انتقادات.

٢ ؟ ان من حق الاستاذ علي صالح ان يغضب حين يعتبر ان هذه الانتقادات ظالمة او بلا اساس، او انها تنال من نزاهته وسمعته كما قال.

لكن كان عليه في هذه الحالة ان يفند هذه الانتقادات ويرد عليها علنا، ويثبت خطأها، او انها تهدف الى النيل منه شخصيا، وان يطلب منهم سحب انتقاداتهم او الاعتذار له.. وهكذا.

بل من حقه كما هو مفهوم حتى ان يلجأ الى القضاء ان رأى ان ذلك ضروري.

هذه إذن هي حدود المسألة كما نراها.

ومن ثم، فالأمر لا يبرر كما قلت الذهاب الى حد تقديم الاستقالة.

بالطبع، من حق الاستاذ علي الصالح، واي مسئول، ان يقدم استقالته في كل الاحوال وفي أي وقت وحتى من دون ابداء الاسباب.

المشكلة ليست هنا.

المشكلة ان البلاد تمر في ظرف استثنائي صعب، وتحاول ان تتعافى من ازمة قاسية وان تتجاوزها، وان تبدأ مرحلة جديدة من البناء والاصلاح.

في هذه الظروف، كل مسئول وكل وطني في موقع مسئولية، وكل مشتغل بالشأن العام، هو في هذه الظروف اشبه ما يكون بالجندي في ساحة المعركة.

والمعركة هي معركة وطنية نبيلة.. معركة مداواة الجراح ولم الشمل الوطني ومواجهة الاخطار المحدقة بالوطن وتجاوز الازمة والنهوض من جديد.

هل من المقبول ان يهرب جندي من ساحة المعركة حتى لو تعرض لانتقاد او توبيخ من أي احد؟

طبعا، ليس هذا مقبولا.

هذا امر.

الأمر الآخر. نحن نعلم جميعا بصراحة انه بعد كل ما مرت به اليلاد، وفي ظل الأخطار التي مازالت تواجهها ويعلم بها الجميع، وفي ظل حالة الاستقطاب الاجتماعي التي نعاني منها للأسف ونريد للبلاد ان تتجاوزها.. في ظل هذا كله. من الطبيعي ان المشاعر مازالت ملتهبة، والمخاوف المتبادلة واوجه عدم الثقة مازالت موجودة. ولهذا ليس من الغريب ان يتجاوز البعض من كل الاتجاهات في مواقفهم او في انتقاداتهم. ويجب على الكل ان يتفهم هذا، وان يدرك ان هذه بالذات هي الحالة التي نريد ان نتجاوزها.

اعني انه في هذه الظروف وفي هذه الأجواء المؤسفة، فإن أي مسئول في أي موقع، واي شخصية عامة ايضا، يجب ان يتحلى بسعة الصدر، وان يتفهم ما نحن فيه، والا يتطرف في ردود فعله، حرصا على المصلحة الوطنية العامة.

أقول هذا ليس لاقناع الاستاذ علي بالتراجع عن قراره، فهذا شأنه. وفي النهاية، رئاسة هذه اللجنة هي مهمة وطنية جليلة هناك كثيرون من المخلصين الأكفاء في البحرين الذين يشرفهم تكليف جلالة الملك لهم برئاستها.

كل ما في الأمر انني أردت فقط ان الفت النظر، من وجهة نظري طبعا، الى قضية وطنية عامة، تتعلق بدور ومسئولية المسئول العام في أي موقع في ظل الظروف التي تمر بها البلاد حاليا.

أما بالنسبة إلى الأستاذ على الصالح شخصيا، وهو يعلم ما اكنه له من تقدير واحترام، فإني أقول له بمنتهى الصدق، ان قراره هذا ليس بالنقطة التي سوف تحسب له في تاريخه وفي مسيرته في العمل الوطني العام.



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

    الأعداد السابقة