قضايا و آراء
بلادنا لا تحتمل هذه الأضرار
تاريخ النشر : الاثنين ٢ يناير ٢٠١٢
باستثناء من له مصلحة في استمرار الأوضاع غير الطبيعية في البلاد، فإن الجميع ومن مختلف الأطراف بات على قناعة تامة بأن مثل هذه الأوضاع لا تخدم مستقبل البحرين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ناهيك عن أن تواصل واستمرار هذه الأوضاع من شأنهما أن يتركا أثرا سلبيا في اللحمة الوطنية ويؤديا إلى تأجيج الاحتقان بين مختلف مكونات المجتمع البحريني وهذا هو الضرر الأخطر الذي يهدد مستقبل بلادنا، فمن دون سلامة النسيج الوطني لا يمكن لأي شعب أن يبني مستقبله بناء إيجابيا نافعا، فالشعوب التي تصاب بتفكك مجتمعي وانتشار الكراهية بين مكوناتها العرقية أو الدينية أو المذهبية تبقى أكثر الشعوب عجزا عن اللحاق بقطار التطور في ميادين الحياة كافة .
إن الأوضاع في بلادنا الآن لا تسر أبناءها المخلصين، لقد كان الأمل معقودا على ما سوف تسفر عنه نتائج التحقيق في الأحداث الأخيرة التي أوكلت مسئولية التحقيق فيها إلى اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق برئاسة البروفيسور محمود شريف بسيوني، وقد ظهر التقرير وأوصى بالكثير من التوصيات التي من شأن تنفيذها تنفيذا أمينا وصادقا، أن يساعدنا على الخروج من المأزق الذي وصلنا إليه، لكن يبدو ذلك مجرد أمنيات تمنينا أن تتحقق، فالأوضاع تسير في اتجاه التصعيد الخطر حيث الكثير من القرى تشهد ما يشبه الصدامات اليومية مع رجال الأمن وما يؤدي إليه ذلك من أضرار وإصابات في صفوف الجميع.
في هذه الظروف حيث الأوضاع تسير في اتجاه لا يسر وغير محسوبة العواقب، فإننا بحاجة إلى تكثيف وتفعيل الخطاب الوطني الجامع والابتعاد عن خطاب الكراهية والتحريض الطائفي الذي من شأنه أن يسهم في تفاقم الأوضاع وإضعاف اللحمة الوطنية، فهذا الخطاب لعب حتى الآن دورا سلبيا وأثر كثيرا في مختلف الجهود الجامعة التي حاول العديد من الفعاليات المجتمعية تسخيرها لوأد التوتر الطائفي والعمل على تمتين الساحة الوطنية حيث من شأن هذا التمتين أن يشكل صمام أمان لبلادنا ويحول دون الانزلاق نحو الصدام المجتمعي.
فلا يمكن لنا أن نخرج من هذه الدوامة الخطرة إلا من خلال إعلاء وتكثيف الخطاب الوطني الجامع ووضع المصلحة العليا للوطن فوق المصالح كافة، عرقية كانت أم مذهبية، فهذا الوطن يمثل الحضن الذي يجب علينا جميعا الذود عنه وصيانته وجعله قادرا على احتضان جميع مكونات شعبنا، لأن هذا الحضن من دون مثل هذا الدور يفقد أهم خصائصه، فالوطن يتسع لجميع أبنائه من دون تمييز أو تفضيل لفئة عرقية أو مذهبية على أخرى، فإذا ما استطعنا أن نصون حضن الوطن ونجعله قادرا على احتضاننا جميعا، فإننا نكون قد قدمنا المساهمة الكبيرة لتمكين قطارنا من الانطلاق إلى الأمام حاملا على متنه جميع مكونات المجتمع البحريني.
جميعنا مطالب الآن بتكثيف مساهماته الوطنية والدفع باتجاه الاستفادة القصوى من توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، فهذه التوصيات وإن كانت لا تحمل حلا سحريا، إلا أنها تقدم المساعدة لنا فيمكن الاستهداء بها واعتبارها إضافة قيمة للجهود المخلصة التي تعمل على مساعدة بلادنا على الخروج والتخلص من تداعيات الأحداث الأخيرة التي عصفت بها خلال شهري فبراير ومارس الماضيين والتداعيات التي ترتبت على تلك الأحداث، فأوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن من أوضاع غير طبيعية، بل خطرة أيضا.
فحين نكون مخلصين بحق لهذا الوطن وحريصين على سلامة أبنائه، عندها ليس مقبولا الاستسلام للأوضاع غير الطبيعية التي نمر بها، بل على العكس من ذلك فإننا مطالبون اليوم وقبل أي وقت آخر بالتعاضد واستخدام جميع الوسائل المتاحة أمامنا للمساعدة على إخراج بلادنا من هذه الأوضاع، بما في ذلك توصيات لجنة تقصي الحقائق، بغض النظر عن درجة الرضا أو الاتفاق مع تلك التوصيات، فنحن نريد أي مساهمة تعيننا على الخروج من الأوضاع التي نعيشها حاليا، لأن من يريد أن يبحث عن مفتاح سحري يشرع لنا الأبواب للخروج من هذه الأوضاع، فإنه لن يجد مثل هذا المفتاح لأنه غير موجود أصلا.
ما يهمنا في هذه الظروف الصعبة هو لملمة مختلف الجهود والمساهمات في بوتقة واحدة للاستفادة منها في مساعدتنا على تطبيع الأوضاع في البلاد تمهيدا لمغادرة البيئة غير الصحية التي تلف بلادنا بعد أحداث العام الماضي، وهذه مهمة لا تقع على عاتق طرف من دون آخر، وإنما هي مهمة وطنية يتحمل مسئولية حملها جميع المخلصين من أبناء هذا الوطن وعدم ترك خطاب التأجيج ونشر الكراهية ينتصر على الإرادة الوطنية.