مقالات
هل تنسحب أمريكا من الخليج لأسباب اقتصادية؟
تاريخ النشر : الثلاثاء ٣ يناير ٢٠١٢
برزت دعوات إثر الانسحاب الأمريكي من العراق لمتابعة السير والانسحاب من كل الخليج. ومنها ما كتبه المحلل الأمريكي توبي جونز في «ذا أتلنتيك». ويدعم ذلك برؤية أن الوجود الأمريكي قد بني أساساً حول فكرة أن الحضور بالخليج يمثل جزءاً من استراتيجية لضمان استمرار تدفق النفط باعتباره عنصرًا حيويًا لاقتصاد أمريكا. ولكن الأمور تغيرت وبات سوق النفط أكثر تحرراً وأصبح من الممكن للولايات المتحدة أن تحصل على النفط من دون الوجود العسكري في الخليج.
لا يزال النفط - رغم كل الجهود لإيجاد مصادر بديلة - هو عنصر الطاقة الأهم، والذي لا يمكن لمناحي الحياة أن تستمر بدونه، بدءاً من الصناعة مروراً باحتياجات المنازل للتدفئة وانتهاء بحركة المواصلات اليومية. كلها تحتاج النفط، والوقود الأحفوري لمواجهة متطلبات حياة يومية لا تهدأ ولدوران عجلة اقتصاد لا تتوقف.
تستطيع أمريكا أن تشتري نفطاً بالأسواق العالمية، لكن إن قررت الانسحاب من الخليج فسيجب عليها التنافس للحصول عليه مع مستهلكين ظامئين مثل الصين والهند. ستفقد أمريكا مكانة لها أفضلية في الخليج الناتجة عن علاقة مديدة تضرب أصولها في الاكتشافات النفطية الأولى في الخليج عام 1933، وتواجدها عبر شركات النفط مثل بابكو وأرامكو في سنواتهما الأولى. ستصبح أمريكا في الخليج مجرد مستهلك لا يدعم رغباته للشراء بأية أرصدة إضافية.
ولكن المهم في الموضوع الآن أن على دول الخليج أن تعي أن مثل هذه الخيارات باتت مطروحة، ويجب ألا تركن إلى حضور أمريكي دائم. وأنه قد تبرز ظروف تضطر فيها أمريكا إلى الانسحاب من الخليج لأسباب اقتصادية وقد تبرز أوضاع لا تجد الولايات المتحدة نفسها فيها راغبة أو قادرة على البقاء عسكرياً.
الخليجيون أوجدوا مبررات جديدة لإغراء الغرب للتحالف. وبنحو محدد هناك سببان الآن يمكن أن يجعلا الأمريكيين راغبون في الوجود العسكري. أولهما اقتصادي، حيث ما انفكت السوق الخليجية في النمو، حتى باتت من أكبر الأسواق المستوردة للسلع. وأمريكا باتت تنظر إلى الخليج بعين جديدة، وخاصة بعد توقيع اتفاقيات تجارة حرة مع دول عدة هناك. وباتت صفقات مثل صفقة السعودية العسكرية الأخيرة بـ 60 مليار دولار وصفقات شراء الطيارات الأمريكية كلها - مما لا يمكن لاقتصاد لا يزال يترنح من هول أزمة 2008 - تجاهله. أما السبب الآخر فسياسي، فقد وجدت أمريكا نفسها في خندق واحد مع دول الخليج الست لنشر الديمقراطية في العالم العربي. واكتشفت الإدارة الأمريكية - مثل دوائر غربية أخرى - أهمية الإعلام الخليجي، وبالتحديد التلفزيوني منه، لبدء ربيع عربي والمحافظة على دوامه. للمرة الأولى تجد أمريكا في دول الخليج حليفاً استراتيجيا يشاطرها الرؤى والقيم الأمريكية ويطبقها ضمن النسيج الخليجي وبحسب الخبرة ومعرفة بما يمكن وما لا يمكن عمله لإيصال الربيع العربية إلى منتهاه. ويكفي هذان الشرطان بالإضافة إلى البترول للقول إن لا انسحاب أمريكي وشيك من الخليج.