قضايا و آراء
مستلزمات المواطنة والانتماء
تاريخ النشر : الثلاثاء ٣ يناير ٢٠١٢
تعلمنا في المراحل الأولى من حياتنا أن الحياة أخذ وعطاء وان المواطنة في النهاية هذه حق وواجب وأن المواطنة عقد اجتماعي يقوم على قطبي الحقوق والواجبات، ولا يمكن أن تستقيم على أساس «الحقوق» فقط، لأن المواطنة تعني المشاركة في المسؤولية وفي الحقوق، باعتبارهما شرطي الديمقراطية والحداثة، في إطار تكريس دولة سيادة القانون والمساواة، وتكافؤ الفرص، ولذلك فإن تجسيد هذه الحقوق على أرض الواقع وتطويرها مسؤولية المجتمع ككل، كما ان الالتزام بتنفيذ الواجبات - ومنها اعتبار احترام القوانين والسيادة الوطنية - مسؤولية الجماعة الوطنية قاطبة، ولكن للأسف الشديد وبعد انتشار الثقافة السطحية التي عززتها المعارضة السطحية البكائية تم تعزيز ثقافة المظلومية والمطلبية من دون أي مقابل، أي أن تكون علاقة المواطن بالمجتمع وبالدولة هي مجرد علاقة اخذ أي علاقة حقوق، ولذلك تعني المواطنة عندهم «حقوقا من دون واجبات»، ومن هنا ينشأ عندنا مفهوم المجتمع المظلوم - إن صح التعبير - فالدولة في هذا المنظور عليها واجبات تقديم الخدمات والمكرمات والمزايا للجميع: «توفير لقمة العيش والوظائف والسكن والمقعد الدراسي والعلاج المجاني بالإضافة إلى سلسلة الخدمات الأخرى، فضلا عن تأمين سبل الحرية والأمن والاستقرار)، وينتهي الحديث عند هذه الحدود، من دون الإشارة إلى واجبات المواطن في مختلف المجالات، التي تجعل المسؤوليات شراكة بين الدولة والمجتمع، إلى درجة أن البعض منهم لا كلام له إلا عن المطلوب من الدولة، إلى درجة انه في بعض الأحيان تتولى الدولة تأمين الخدمات ويتولى المواطن في بعض القرى تخريبها يوميا مثل الكهرباء وصناديق القمامة والإشارات الضوئية والأرصفة، وهو أمر غريب في القيم وأمر مخالف للقانون والمنطق والمصلحة!
إن المواطنة وجه من وجوه المدنية والحضارة والتقدم، فالفرد الذي يتصرّف كمواطن، يمارس كل الحقوق اعترافا بكيانه، ومنها المشاركة في اتّخاذ القرارات كأحد الركائز الأساسية للمجتمع الديمقراطي، على ألا يتم تحويل الحقوق إلى ذريعة لتشريع التدخل في شؤون الدولة من القوى الأجنبية، والمنازعة في مشروعية الدولة الوطنية، وتجاهل الصبغة الشمولية لحقوق الإنسان وترابطها وتكاملها وشروط التمتع بها.
من هنا جاء تأكيد مكانة حقوق الإنسان في نص الدستور والميثاق مقرونا بالحديث عن واجبات المواطنة وإعلاء قيم التضامن والتآزر والتسامح ووحدة المجتمع، بما يجعل تكريس الحقوق وحمايتها خيارا وطنيا بالدرجة الأولى، نابعا من إرادة الدولة، ومن سلطان الشعب، حيث لا تقدم ولا تطور، ولا حفاظ على سيادة الوطن، ولا تحرر للإنسان من دون المشاركة وضمان تكامل الحقوق بالواجبات بما يكرس أركان الدولة والقانون والارتقاء بوظائف المواطنة إلى مرتبة الواجب المقدس، مثل: حماية الاستقلال الوطني والحفاظ على السيادة الوطنية وتقديس واجب العمل والمشاركة في التنمية وحماية الحرية وحق الاختلاف واحترام الآراء المختلفة والمحافظة على المكتسبات وعدم السماح بالتقليل من شأنها أو ازدرائها.
كما أنّ خضوع الدولة للدستور وللقانون، يعكس هيبتها ويترجم أصالة شعبها، في إطار يوفق بين صالح المجموعة وحماية حقوق الأفراد، بما يؤدّي إلى تعلّق الفرد بمواطنيته والقيام بواجباته تجاه الوطن والدفاع عن سيادته واستقلال قراره، وهو أمر لم يعد من مسؤولية الدولة فحسب، بل أصبح مسؤولية مشتركة بينها وبين مكونات المجتمع المدني التي يقع على عاتقها واجب السعي لتعميم الوعي الوطني وتجذير الشعور بالانتماء لمواجهة التحديات.