الجريدة اليومية الأولى في البحرين


في الصميم


... إجازات التمارض

تاريخ النشر : الثلاثاء ٣ يناير ٢٠١٢

لطفي نصر



قائمة الإجازات السنوية في البحرين من غير حسد تعد أطول قوائم الإجازات في العالم كله.. وإن كان حظ موظفي الحكومة فيها يكاد يكون ضعف حظ موظفي القطاع الخاص.. وعموما موظفو القطاع الخاص مغلوبون على أمرهم، ولا حول لهم ولا قوة. فقد قرر المشرّع البحريني أن يتلقوا الضربات والطعنات الموجعة باستمرار.. وآخر تلك الطعنات ما أعلنه السيد أحمد بن زايد الزايد رئيس ديوان الخدمة المدنية مؤخرا.. عندما أعلن أن (40%) من عدد موظفي الحكومة قد حصلوا في عام 2011 على حوافز وترقيات، وأن الديوان قد انتهى من إعداد قوائم تمهيدا لصرف علاوات لـ 50 ألف موظف وموظفة يعملون في الوزارات والهيئات العامة يتسلمونها قبل نهاية هذا الشهر.. وأنه لا سقف لمنح الترقيات والحوافز لموظفي الحكومة.. وكل وزارة أو هيئة يمكن أن تمنحها كما تشاء بشرط ألا تتجاوز ميزانياتها.. بينما موظفو القطاع الخاص يتفرجون ويتحسرون!
كل هذا لا تثريب ولا تعقيب عليه.. اللهم إلا حكاية الإجازات المرضية.. وأقصد على وجه التحديد إجازات «التمارض».. فقد ضرب موظفو البحرين - رغم طول قائمة إجازاتهم السنوية ؟ الرقم القياسي في الحصول على إجازات التمارض هذه.. وهذا النوع من الإجازات مسئول عن ضعف العطاء والأداء والانتاج في الحكومة والقطاع الخاص معا.. ومن الأسباب أن هذا النوع من الإجازات لا حد أقصى له.. وإن وجد فإنه لا يطبق على الأرض!
لذا فأنا أهيب بالسادة النواب أن يتدخلوا لوضع حد لظاهرة التسيب في هذا الخصوص حفاظا على سلامة الاقتصاد القومي ودعما له.. وإن كان الأمل في الاستجابة لهذا الرجاء يكاد يتوارى لأن السادة النواب قد عودونا أن يتنافسوا في جلب المزيد من الإجازات للموظفين انطلاقا من الحرص على الخوض في كل ما يحبه الناس دون غيره حتى لو كان في ذلك إيذاء للوطن واقتصاده وسمعته.
بعض السادة النواب نجحوا في إضافة إجازات لم تكن موجودة على قائمة الإجازات ومنها إجازة يوم عرفة أو «وقفة عرفات».. وإذا كانوا يعتبرون هذا نجاحا وليس فشلا فالسؤال هنا: لماذا يقتصر هذا الحق على موظفي الحكومة من دون موظفي القطاع الخاص؟.. هل موظفو الحكومة هم المسلمون وموظفو القطاع الخاص شيء آخر؟!
أعود إلى بيت القصيد في هذا الطرح وأتساءل: أليست إجازات «التمارض» عبئا ثقيلا على اقتصاد الوطن وقطاع الصحة ومسيرة العمل والإنتاج بصفة عامة؟ أليس التسيب في هذا الأمر يقود إلى التسيب في جوانب أخرى عديدة قد تكون أشد خطرا؟.. أليس الأطباء الذين يمنحون هذه الإجازات مسئولين بالدرجة نفسها مع الموظفين المتمارضين عن هذا التسيب؟.. أنا أعرف أن هناك موظفين يوجد أطباء أقرباء لهم في المستشفيات والمراكز الصحية يمنحونهم الإجازات المرضية متى شاءوا وكيفما شاءوا وبأي قدر يشاءون.
أنا بصراحة لو كان الأمر بيدي لأصدرت قانونا يبطل أي إجازة مرضية إلا إذا قضيت مدة الإجازة داخل المستشفى.. وليس في ربوع مانيلا أو بانكوك وحتى هذه الضمانة التي أقترحها مشكوك أيضا في أمرها.. لذا فإن الأمل معقود الآن على السادة النواب لبحث هذه المعضلة بشرط أن يكون موقفهم في هذه المرة جاداً.
×××
× القضية التي يطرحها الآن في مجلس النواب النائب الأول لرئيس المجلس السيد عبدالله بن خلف الدوسري حول التساؤل عن عدد الحالات التي وظفها ديوان الخدمة المدنية في درجة مديرين أو رؤساء بينما مؤهلاتهم تقف عند «الثانوية العامة» أو ما دونها.. هي قضية مهمة جدا.. طويلة وشائكة وتفجيرها سوف يثير من حولها كثيرا من الدخان والرماد لأسباب عدة منها:
- انه لا يوجد قانون في الحكومة يمنع أن يرقّى الموظف الحاصل على الثانوية العامة إلى درجة مدير أو حتى وزير.. ولا يوجد في الحكومة ما يقنن هذه المسألة غير ما كان قد قرره أو اجتهد فيه الدكتور علي فخرو عندما كان وزيرا للتعليم واشترط فيمن يعين في سلك التدريس ألا يقل مؤهله عن الليسانس أو البكالوريوس.. وهذا الذي أقدم عليه الدكتور فخرو قد أسهم بالضرورة في رفع مستوى التعليم بالبحرين.
- حساسية طرح هذا الموضوع أنه يوجد حتى الآن بعض ذوي الدرجات العليا والمناصب تقف مؤهلاتهم عند الثانوية العامة أو ما دونها.
- المسلّم به على أرض الواقع.. أن المؤهل ليس شرطا.. أو حتى لازما كي يبرز الموظف أو المسئول أو ينبغ في مهمته أو منصبه.. فرب مدير لم يحصل على الإعدادية أكثر مهارة وفائدة للمنصب من حامل لدرجة الدكتوراه لما يتسلح به من ثقافة ومقومات فطرية وشخصية وخبرات في الإدارة ويكون قادرا على تحقيق نجاحات لا يستطيع غيره تحقيق شيء منها.
- لكن مادام حملة المؤهلات العليا قد أصبحت لهم الغلبة في الدنيا كلها.. فلا غضاضة من اشتراط الحصول على مؤهل عالٍ لشغل الوظائف التي يسمح من خلالها بالانطلاق على طريق الوصول إلى أعلى الدرجات والمناصب.. سواء في الحكومة أو في القطاع الخاص.. ويجب أن يصل الأمر في هذا الخصوص إلى مرحلة التقنين حيث تشكو هذه الناحية من فراغ تشريعي كبير.. وبحسب علمي فإن المؤسسات الصحفية في مصر كلها أصبحت تشترط - منذ سنين مضت - الحصول على المؤهل العالي شرطاً أول للعمل بمهنة الصحافة.. وهو عين الصواب.