الجريدة اليومية الأولى في البحرين



دموع وأساطير في كوريا الشمالية بعد وفاة الزعيم

تاريخ النشر : الأربعاء ٤ يناير ٢٠١٢



يذرف الكوريون الشماليون في العاصمة بيونغ يانغ وبقية المدن الدموع بغزارة لوفاة الرئيس كيم جونغ ايل في صورة سريالية فاجأت العالم الى حد التشكيك فيها. الالاف يتوجهون يوميا الى ضريح كومسوسان لبكاء زعيمهم الراحل، يضعون باقات الزهور والورد الأبيض الى جانب تماثيل وصور لإيل ويعبرون عن حزنهم الشديد امام عدسات الكاميرات.
كثيرون قالوا ان الدموع التي شاهدها الملايين على شاشات التلفزيون بكاء على وفاة الزعيم الكوري الشمالي قد لا تكون حقيقية بل مجرد تمثيلية جماعية لتجنب بطش السلطات، خصوصا ان الرئيس الراحل لم يكن سوى شخصية مثيرة للجدل والمشاكل ولم يجلب سوى المتاعب لشعبه.
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي حول الاوضاع في كوريا الشمالية بعد رحيل ايل:
بعد وفاة الرئيس، وكما هي العادة في كوريا الشمالية، تمتد فترة الحزن عشرة أيام، يتم فيها البكاء بطريقة هستيرية على المتوفى كتعبير عن الوطنية والولاء، الامر حدث لدى وفاة والد كيم جونغ ايل عام 1994 وها هو يتكرر الآن بوفاته، كأن الشعب الكوري برمته مبرمج لاستدرار الدموع بكميات كبيرة.
يمكن وصف حال الكوريين الشماليين بالقول إنهم ينتحبون ويبكون ويكفكفون دموعهم بأياديهم كما لو انهم فقدوا عزيزا من اقرب المقربين اليهم، لكن في الواقع لا أحد خارج كوريا الشمالية يعلم حقيقة ما يحس به الكوريون الشماليون تجاه خبر وفاة ايل. ربما البعض بكوا حزنا على قائدهم العزيز، وآخرون بكوا حزنا على انفسهم، وآخرون لم يجدوا سوى الولاء لاثبات وطنيتهم خوفا من شيء ما.
مصير مجهول
اللافت انه بعد يوم واحد من إعلان كوريا الشمالية وفاة زعيمها كيم، أظهرت مقاطع الفيديو المتلفزة والصور التي وزعتها الدولة التي تعاني عزلة دولية مشاهد من الهستيريا الجماعية وحالة من الحزن الشديد التي تنتاب المواطنين والجنود في جميع أنحاء العاصمة. ويبدو أن الصور، التي تم اختيار معظمها بعناية شديدة من قبل وكالة الأنباء الرسمية لكوريا الشمالية، وهي الوحيدة القادرة على التقاط الصور وتوزيعها وبث ما تراه مناسباً، هي جزء من حملة رسمية لحشد الدعم لخليفة كيم في سدة الحكم، وهو نجله الثالث كيم جونغ أون.
يتبين اليوم، مدى قساوة النظام في تلك البلاد المنغلقة على نفسها، فعلى الكوري الشمالي أن يواصل الشعور بالحزن، وتطوير «صناعة البكاء» على كل من يرحل من زعمائه (المحبوبين) من سلالة كيم جونغ.
في الواقع، لا يمكن لأحد ان يصدق ان الشعب يبكي رئيسا حكمه بالحديد والنار منذ عام 1994 في رحلة طويلة من الإخفاقات والمجاعات بدأها والده الجنرال كيم إيل سونغ، الذي تسبب في إشعال الحرب الكورية من دون فائدة تذكر سوى خراب كوريا الشمالية ونهوض كوريا الجنوبية.
ضمن مسلسل هذا الخراب المزمن أصبح الشعب الكوري الشمالي يعاني إلى جانب فقره المدقع وانعزاله الكبير امتداد سلسلة التوريث الرئاسي، حيث انتقلت السلطة بعد وفاة كيم جونغ إيل إلى ابنه الأصغر الوسيم المدلل الذي يبلغ من العمر الآن 28 سنة لا غير.
خوف من الرقابة
بعض النظريات تقول ان الكوريين الشماليين انما يبكون تعبيرا عن حزنهم على مستقبل كوريا الشمالية في عهد أون الذي لا يملك الخبرة السياسية ولم يعدهم بأي رخاء وانتعاش اقتصاديين وانفتاح سياسي كونه سيحكم في دائرة مغلقة من انصار والده. فهو ليس سوى واجهة أو قمة جبل الجليد في محيط السلطة. وعلى الارجح ان البلاد ستبقى على حالها لا بل ان هناك من يهدد باحتمال حصول مجاعة في ظل تدني المساعدت من كوريا الجنوبية الى حد الانقطاع.
بطبيعة الحال ما حدث أدى إلى شعور الناس بالصدمة أو الاضطراب لدى الشعب بغض النظر عما إذا كانوا يكنون لكيم جونغ إيل مشاعر إنسانية قوية أم لا.
لذلك يعتبر بعض خبراء علم النفس ان ذلك الحزن الذي بدا على المواطنين في بيونغ يانغ كان حقيقيا، وكان الخوف وعدم اليقين حيال مستقبل كوريا الشمالية هما سبب تدفق تلك المشاعر، وإن كان هذا لا يعني غياب تأثير عامل الإجبار في الأمر، اذ ربما يكون سبب هذا اعتقاد شعب كوريا الشمالية أن عليه أن يتصرف على هذا النحو أو ربما لأن الأعين تراقبهم.
اساطير مضحكة
تحكم عائلة كيم، بداية من كيم إيل سونغ، كوريا الشمالية أكثر من 6 عقود كأنها عائلة كبيرة واحدة. كان الناس يطلقون على كيم ايل سونغ «الأب» اي ابا الامة، وكانوا لا يعترضون على كل ما يقوم به رغم انه اجج الصراع مع الجارة كوريا الجنوبية. الحال لم يتغير مع وصول نجله، حتى بوفاة الاخير، اذ تستعرض اللوحات الزيتية الجدارية الدعائية جنود كوريا الشمالية وهم يتشبثون بعائلة كيم مثل الأطفال الذين يتعلقون بآبائهم، ويمجد الجميع إيل عند أقرب تمثال له، ومثل أطفال يرعون مقبرة آبائهم كما تقضي ثقافة كوريا الشمالية، يتحرك المواطنون حول ضريح كيم تقريبا كل يوم منذ اعلان وفاته.
لكن لا شك ان الامور خرجت عن نطاق السيطرة وتحولت الى ما يشبه المسرحيات الركيكة، فقد شهدت كوريا الشمالية بعض الظواهر الغريبة حتى ان وكالة الأنباء المركزية الكورية روجت لبعض الاساطير بعد وفاة الرئيس في استغباء واضح للشعب وللمجتمع الدولي.
من الاساطير التي نسجت قول الوكالة إن الثلوج تصدعت في بحيرة تشون البركانية الشهيرة بالقرب من مسقط رأسه عند جبل بايكدو «بصوت عال جدا بدا كأنه يهز السماوات والأرض»، بالإضافة إلى مشاهدة توهج واضح على قمة جبل شهير في كوريا الشمالية.
ولطالما بنيت حول كيم ايل، الذي توفي عن 69 عاما، هالة من القداسة الدينية بما في ذلك ظهور قصص عديدة عن المعجزات والأعمال الخارقة التي نسبت إليه، مما يعني انها ليست المرة الاولى التي تروج فيها اساطير كهذه، وامعانا في الخيال، ذكرت الوكالة أنه عقب انتهاء العاصفة نحتت رسالة على الصخر تقول «جبل بايكدو، جبل الثورة المقدس. كيم جونغ إيل»، وتوهجت الرسالة بشكل واضح وظلت هناك حتى غروب الشمس.
ونقلت الوكالة أيضا أنه في اليوم نفسه اتخذ طائر كركي في منطقة منشوريا وضعا حزينا على ما يبدو أمام تمثال لوالد الزعيم الراحل في هامهونغ شمال البلاد، ونقلت الوكالة عن مسئولين قولهم «حتى طائر الكركي بدا حزينا على وفاة الزعيم الراحل كيم جونغ إيل، سليل السماء، بعد أن هبط هناك في ليلة شتوية شديدة البرودة، وهو غير قادر على نسيانه».
اذاً، فالحزن على كيم جونغ ايل لم يقتصر على بني البشر بل ايضا يبدو ان الطيور تعتكف على اغصان الاشجار وقد هجرت الفضاء الرحب وامتنعت عن البحث عن قوت يومها لتبقى الى جانب ضريحه، فالى جانب خمسة ملايين كوري يودعون الرئيس الراحل وينتحبونه من الواضح ان الطبيعة ايضا قررت الدخول في هذه المسرحية والانتحاب على رئيس لم يجلب سوى الدمار والخراب. فهل نصدق ان الدموع حقيقية ام انها كما وصفها كهل كوري ثمانيني لا يخشى على حياته اذ لم يتبق الكثير منها، حين قال مبتسماً «انها دموع التماسيح يا ولدي»؟