هوامش
عقبات طائفية تعترض الجهود الوطنية
تاريخ النشر : الأربعاء ٤ يناير ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
في موازاة التحركات التي ظهرت على سطح بلادنا في الفترة الأخيرة والتي يهدف الواقفون وراءها إلى محاولة التصدي والمساهمة في وقف حالة الانهيار المجتمعي الذي تتعرض له العلاقات الوطنية بين أبناء البحرين من الطائفتين الرئيسيتين (الشيعة والسنة)، تبرز عقبات وعوائق مصطنعة الهدف من إنشائها، هو عرقلة تلك الجهود والحيلولة بينها وبين تحقيق تمنيات الواقفين وراءها الذين يحز في أنفسهم رؤية التدهور الخطر الذي يتعرض له النسيج المجتمعي البحريني، حيث الانتهازيون في بلادنا وجدوا في ذلك الفرصة السانحة لاستغلالها بهدف تحقيق مصالح آنية أنانية غير مبالين ولا آبهين بالمخاطر المحدقة بالوطن جراء استمرار التراشق الطائفي وتصاعده بأوجه وممارسات مختلفة.
يدرك القائمون على تلك الجهة كما يدرك الداعمون لهم، صعوبة المهمة بعد صعود الخطاب الطائفي وسيطرته الكبيرة على رقعة لا يستهان بوطأتها وتأثيرها في الوعي الشعبي، ولكن حين تكون مصلحة الوطن هي العلامة التي يضعها القائمون على تلك الجهود نصب أعينهم ويتخذونها مؤشرا يهتدون به على طريق عملهم، فإنه في هذه الحالة لا مناص من مواصلة العمل والجهود رغم كل العقبات والعراقيل التي سيواجهونها، خاصة أن هناك من له مصلحة في استمرار الوضع غير الصحي الذي نعيشه في البحرين بعد الأحداث الأخيرة.
فنحن في هذه الظروف وفي هذه المرحلة من العمل الوطني، أمام خيارين محددين: إما أن نتكاتف ونتعاضد ونبتعد عن لغة التخوين والتخندق الطائفي، وهو الخيار الكفيل بإخراجنا من المأزق الذي دخلنا إليه، بغض النظر عن الأسباب والمسبب في ذلك، وإما نكرس هذه الاصطفاف الطائفي ونواصل لغة التجريح المقيتة وبالتالي ندفع ببلادنا وشعبنا نحو المزيد من التمزق وزرع بذور الكراهية والافتراق، وهو ما يعني التسبب في حالة من عدم الاستقرار المجتمعي وتمزيق العلاقات التي غزلت خيوط نسيجنا الوطني على مدى عشرات القرون.
علينا أن نتحدث ونعمل ونكافح من أجل مصلحة شعب بأكمله وليس مصلحة طائفة أو فئة أو عرق، فالبلدان التي تغلب (بتشديد اللام) فيها مصلحة فئة من فئات المجتمع على مصالح الفئات الأخرى، سواء كان على أسس عرقية أم دينية أم مذهبية، فإن هذه البلدان لا يمكن أن تنعم بالاستقرار وتفشل بكل تأكيد في حياكة نسيج وطني عصي على الاختراق، ونحن عندما نشدد على دعم الجهود الخيرة التي يقوم بها العديد من الفعاليات الوطنية، وتحديدا تلك التي تجمع مكونات المجتمع البحريني، فإنما يأتي ذلك إدراكا وقناعة بأن هذه التحركات تستهدف مصلحة الوطن العليا وليس مصلحة فئة أو طائفة أو مكون عرقي من تلك المكونات.
مثل هذه التحركات والجهود عادة ما تكون عرضة للعرقلة والتشويه من قبل الطائفيين والانتهازيين المتمصلحين من وراء استمرار التمزق المجتمعي، وارتفاع وتيرة الاحتقان الطائفي، الأمر الذي يجعل من تلك المهمة الوطنية النبيلة غير ميسرة التحقيق، ولكن حين يكون الهدف مصلحة الوطن بجميع مكوناته، فإن المخلصين من أبنائه لن يتوانوا أو يترددوا عن مواجهة تلك الصعاب، حيث لا مجال في ظل مثل هذه الظروف التي نمر بها، إلا التمسك بالخيار الجامع بين مختلف مكونات شعب البحرين، ورفض أي شكل من أشكال التخندق الضيق أو القبول بتحقيق مصالح فئة على حساب الفئات الأخرى.
فمنذ الأحداث المؤلمة التي ألمت بالبلاد بدءا من شهر فبراير الماضي والتداعيات الخطرة التي أعقبتها وتسببت في فتح جرح عميق في الجسد الوطني، ارتفعت الكثير من الأصوات الوطنية الشريفة والصادقة وتنادى العديد من الفعاليات المجتمعية لتطويق إفرازات تلك الأحداث ومحاصرة الجنون الطائفي الذي انطلق من عقاله وكاد أن يدفع ببلادنا إلى أتون صراع طائفي خطر من شأنه أن يقضي بكل تأكيد على مقومات الألفة والتسامح التي جبل عليها شعبنا على مدى عشرات ومئات السنين، حتى تحولت هذه السمات إلى ميزات يفتخر بها أبناء البحرين من مختلف المكونات.
ومن الصعب ملامسة النتائج الإيجابية التي حققتها تلك الجهود الخيرة، خاصة أن خطاب التأجيج الطائفي لايزال عاليا والمتربصين بوحدة شعبنا غير مكترثين بالأضرار التي تسببوا فيها حتى الآن، ولكن الحقيقة يجب أن تقال، فقد نجحت تلك الجهود الخيرة، رغم كل العقبات الكأداء التي نصبت على الطريق، في الحد من تصاعد ذلك الخطاب النشاز، وهذا بحد ذاته يعد مكسبا وطنيا لا يستهان بأهميته نظرا إلى الظروف الصعبة التي وجدنا أنفسنا محاصرين بها منذ ما يقارب العشرة الأشهر حتى الآن.