الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


المقاتلون من أجلِ السلام نائمون

تاريخ النشر : الخميس ٥ يناير ٢٠١٢

عبدالله خليفة



لم تستطع رأسماليات الدول أن تؤسس نضالاً ديمقراطياً في داخل مجتمعاتها وخارجها.
رأسمالياتُ الدولِ شكلتْ جماعاتٍ بيروقراطية انتهازية بدءاً من الاتحاد السوفيتي مروراً بالصين حتى إيران.
في اللغة الشيوعية الأولى الواعدة بتحرير الشعوب والعمال حدثت إنجازاتُ التوجه للنضال الوطني والصحوة الاجتماعية، لكنها تمظهرت في العديد من التجارب بأشكالٍ من المبالغة الحادة وبتطرفٍ نحو اليسار على المدى القريب، وغدت حقلاً محروقاً من المناضلين والتراكم الديمقراطي على المدى البعيد.
لقد جرّتْ الاتجاهات المناضلة الصغيرةَ الواعدة حشودَ السكان الأميين إلى قفزات حادة، بدلاً من بناء التراكمات الديمقراطية البسيطة المتصاعدة.
ومن هنا فإن حروب العصابات المكلفة في الصين وفيتنام وكوبا تمخضت في نهايات المطاف عن رأسماليات دول بيروقراطية فاسدة.
كان يمكن لعمليات تراكمات ديمقراطية إنسانية أن تنشر في العالم الثالث مناهجَ تغيير تنويرية وديمقراطية بعيدة المدى، وتركز فيما هو متخلف وتشكل عمليات الثورة الوطنية الديمقراطية بتوجهها نحو تغيير الأرياف من الإقطاع وتغيير حياة النساء ونشر الثقافة العقلانية، وإضافة إلى ضخامة التضحيات وجد المناضلون التقدميون أنفسهم بعد عقود من التضحيات بين نارين: نار البيروقراطيات التي تكونت في دول المعسكر الاشتراكي المنهار ونار القوى الدينية التي استغلتْ التخلفَ وراحت تمشي على ما تركهُ التقدميون السابقون لها من أرضيةٍ فاسدةٍ غيرِ محروثةٍ ديمقراطياً فتستغلها لتعيدَ تكرارَ أنظمة المحافظة المتخلفة.
في مناطق التماس المتصارعة دينياً تتعاظم أخطار هذه الأخطاء، وقد وجدنا أنفسنا أمام رأسماليات دول بين محافظة متصلبة و(ثوريات) مزعومة قامت بأكبر المغامرات في تاريخ المنطقة.
الرأسمالياتُ الحكومية البيروقراطية غير الديمقراطية غذت بعضها بعضا عبر تداخل الأخطاء وتسويق مراحل منها، وبهدف إبقاء الثروات محصورة بين كيانات اجتماعية صغيرة.
في العراق، ودول الخليج، وإيران، وسوريا، تشكلت مثل هذه الأخطاء والتداخلات، ولم يحدث انفصالٌ عن الشموليات العسكرية بقوة وحسم إلا في السنوات الأخيرة، لكن في وقت بلغت فيه الأنصالُ حلوقنا.
وبينت تجربتا العراق وسوريا هذا المسار بوضوحٍ دامٍ.
الآن تتعاضدُ وتختلف القوى السياسية العربية والعالمية تجاه التجربتين الباقيتين الخطرتين السلبيتين: سوريا وإيران، فلم تزل ثمة دولٌ وجماعاتٌ مستمرة في دعم التراث الشمولي العنيف.
تغدو سوريا مقدمة لتجارب صراع أكثر تعقيداً قادمة، وتقبع إيران منتظرة دورها المأساوي الخطر، منتفضةً بكل أشكال الإرث الثوري الزائف، مستعيدةً كل مآسي الشيوعيين والوطنيين في عدم قدرتهم على التضفير بين التقدم القومي والديمقراطية.
يحدث هنا خلطُ الأوراق الحارقة، وتؤدي مسألةُ الاحتفاظ بسلطةٍ إلى حرب حمقاء هائلة أخرى، وهي تسحب دولاً وجماعات أخرى لبؤرة الحرب المركزية تلك.
إنها ليست مسألة التغييرات السياسية والمذاهب بل مسألة الحياة أو الموت، مسألة خطورة الانفجار العسكري الرهيب وحالات اللامبالاة به.
تتحول هذه المسألة الكارثية إلى ألعاب سياسية صبيانية، إذ يكفي أي عود كبريت سياسي في فقدان لا نعرف كم من السكان أرواحهم، مئات أم آلاف أم كم؟!
تتطلب هذه المسألة المصيرية حشوداً سياسية وشعبية كبيرة من أجل وقف المغامرات الإيرانية في مصير البشر، وتحركات واسعة لقوى السلام، لوقف التلاعب بمصير البشر والإنسانية من قبل أناس لا يقدرون الأرواح والحضارة البشرية.
في مثل هذه اللحظة المصيرية حيث تُدفع المنطقة إلى فوهة البركان ندرك كم أدت المغامرات وحرق المراحل وأنظمة الشمولية إلى تغييب الفعل المناهض للحروب، حيث غدت أقسام كبيرة من الجمهور كالخراف مستعدة للمشاركة في المحرقة بدلاً من أن توقف وتشل أيدي الجزارين والمتلاعبين بحياتها ومصيرها.