قضايا و آراء
التنبؤات الفلكية بين الواقع والخيال
تاريخ النشر : الخميس ٥ يناير ٢٠١٢
الوهم أحد القواسم المشتركة لمزاولة التوهم، والاستمرار فيه يلغي قيمة العقل البشري من عملية التذوق المنطقي، كما يلغي التوهم طرح الحلول لاستباق صورة النتيجة، ما يعني النتيجة في النهاية، هي ظاهرة منتشرة خلال السنوات المتأخرة لعبت دورها بحدود لكنها اليوم تفردت بصورة اللاحدود، وتفشت هذه الظاهرة العامين الفائتين وتزايدت أعداد المتابعين لأصحاب التنبؤات، وخرجت مجموعة جديدة من المتنبئين لتصبح هذه الظاهرة الجديدة لازمة سيكيونفسية، والغريب أن هذه اللازمة النفسية تفشت لتُحول غير المتابعين لمتابعين لها، ما يعني تكوين ثقافة قد تتحول في المستقبل لتكون حضارة، المخيف في الأمر ليس التنبؤات وكثرتها بل ما يتبلور من خلف قراءة وسماع ومتابعة تلك التنبؤات التي تشل حركة الفكر من التقدم من جانب، وتعكس ضعف التحصيل العلمي للفرد من جانب آخر، وتُفقد إمكانية التحضر للمجتمع من جانب ثالث، ولو جُمعت الجوانب السلبية كانت سبباً واقعاً في حصول تلك الكوارث المُتنبئة سلفاً، والسبب لاختيار الناس النتيجة، فأنت ما تُفكر، قل لي ما تفكر فيه الآن أقل لك ما ستكون عليه غد، قل لي ما تمنيت بالأمس أقل لك أنت ما عليه الآن، وهي عملية فيزياسلوكية ناتجة عن قلة التدبر والتعقل.
كما أن الاعتماد على النبوءات أشبه بفكرة الفوز باليانصيب سيحل كل شيء، فاليانصيب هو الطريقة الوحيدة لمعاقبة الذين لا يحبون الرياضيات ليخسروا أموالهم، بل إن العقاب الحقيقي حين يفوز الفرد باليانصيب، لأن مفهوم اليانصيب - كما يعبر عنه غاندي - إحدى الحقائق القليلة البغيضة في الحياة، نعم المال المكسوب بغير الجهد، إنه المفهوم الذي يدمر عدداً من الشركات والأفراد أكثر من أي شيء آخر، شيء مقابل لا شيء، بذاتها فكرة المال قد يتصور الآخرون أن حياتهم ستتغير، المال هو الذي سيغير كل شيء، يبدأ الكذب لأن المال ليس ما يفتقر إليه الناس في الحقيقة، إن ما يفتقر إليه الناس القدرة على كسب المال والاحتفاظ به، وجائزة اليانصيب ما هي إلا كذبة لنتقاعس عن العمل والبناء والثقة بقدراتنا وإمكانياتنا لجمع المال والاحتفاظ به، والحقيقة المرة بحسب الدراسات العالمية والقصص المؤسفة أن أكثر من فازوا باليانصيب كانت حياتهم أصعب من ذي قبل، وهي حقيقة لا غبار فيها، أكثر من يحصلون على المال بلا كسب يستقيلون من وظائفهم ويحاولون إنفاق أموالهم للوصول إلى السعادة ليكتشفوا في النهاية أنهم لم يحصلوا على السعادة التي يحلمون بها.
كما تشير الدراسات النفسية إلى أن البحث عن السعادة بإنفاق المال يسبب تضاؤل نسبة السعادة بوجه عام لوجود خلل في الإشباع، الخلل الحقيقي خلف التشبث بفكرة كاذبة يُعجز الفرد عن التحرك للوصول، كما لو حصل على المال يعجز عن المساواة بطريقة السعادة والمال، كذلك الذين يلتمسون نجاح التنبؤ يعيشون في مراحل صراع يومي وأسبوعي وشهري وسنوي من أجل وقوع المراد بينما لا جديد، من جانب آخر يشعرون بالضرورة لربط الأحداث بالمخيلة نفسها التي يُدركونها ليكون أو لا يكون ما يعتقدون، وفي النهاية هم يجلبون النحس لهم بطريقة أو بأخرى من حيث لا يعلمون، هم أشبه بمن لديه ساقان لا يستطيع أن يستعملهما معاً رغم صحته وسلامته.
النبوءات مختلفة، منها ما يحمل الأخبار السارة ومنها ما يحمل الأخبار الضارة لكن الاعتماد على مثل تلك مُقيد للتطلعات وجامع للتبرعات، فقير وغني صاحبها، لا يسمن ولا يغني من جوع، عرضة للصدمات، فعلينا التجنب قدر المستطاع عن تقدير مصيرنا بيد النبوءات والتنبؤات حتى لا نخسر الحياة التي نحلم بها.
أخيراً ما دفعني إلى كتابة هذا الموضوع كثرة ظُهور المتنبئين الذين وسموا على أنفسهم علم الغيب بلا حساب، يكسبون الظهور الإعلامي من أجل مكاسب سياسية وبعضها اقتصادية وبعضها خطط إسرائيلية وأجنبية، وبعضها تضليل للرأي للكسب العام، وأيا كانت تلك الخزعبلات فهي في كفة وما صرح به بعض المنجمين أمثال الشيباني وحسين شاهين وغيرهما ممن تفوهوا أباطيل حول البحرين، في محاولة لتشويه سمعة البحرين بالدرجة الأولى، وفي محاولة لتشويه سمعة الخليج وتحويل هالات السلطة ومصدر القوة لإيران، نرد عليهم بأن استغلالكم للموقف العالمي وخروج ضالة المجتمعات هو ما يكشف عن خسة الأصل التي تنتمون إليها، فلا معنى لنشر الكذب والأباطيل والشعوذة، وتشويه صورة مملكتنا الحبيبة والتطير عليها، فمملكتنا الحبيبة في خير وعزة وأمان مادام آل خليفة الكرام فيها، والضرب منكم جهل بالكرامة التي تتحلى بها البحرين ومكانتها، ومكانة قيادتها لدى الخليج وشعبها، والتفوه بنبوءات الشر لا يعني للبحرين خزيا بل رفعة تستمدها من الواقع الذي يزيدها شرفاً على شرفها، فالبحرين لديها قيادة ملكية يتقدمها سيدي صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، حفظهم الله للبحرين، ولن يحصل ما ذكرتم بل لن تنالوا مبتغاكم وستبقى البحرين مملكة عربية خليفية، مملكة للتسامح والتعايش.