الجريدة اليومية الأولى في البحرين


زاوية غائمة


الأبوة ليست لقبا مجانيا

تاريخ النشر : الخميس ٥ يناير ٢٠١٢

جعفر عباس



حكايات اليوم مهداة إلى تلك الفئة من الآباء العرب التي تحسب انها تقوم بواجبها الأبوي على خير وجه طالما أنها تصل ليلها بنهارها في السعي لجمع المال لضمان حياة طيبة ورغدة للعيال، فتفترض أن كل شيء على ما يرام على صعيد العائلة لأنه يلبي طلبات أفرادها «بالزيادة»، وبطل الحكاية الأولى هو البريطاني داني اونيل الذي رزق بثلاثة توائم دفعة واحدة قبل تسع سنوات، وكانت له قبلها بنت واحدة، فما كان من اونيل إلا ان ألقى بكل ثقله في العمل، فثلاثة أفواه تحتاج إلى ثلاث وجبات إضافية، وثلاث مثانات تحتاج إلى مخزون هائل من البامبرز، وسيدخلون المدرسة سويا فيدفع هو مصاريف ثلاثة طلاب في نفس اللحظة والدقيقة، وهكذا مضى أونيل يصعد في السلم الوظيفي حتى اصبح مديرا تنفيذيا لشركة استثمارية ضخمة، براتب سنوي قدره 480 الف دولار أمريكي أخضر، زائدا سيارة بي ام دبليو، ومخصصات اخرى كانت تجعله يضع راتبه بأكمله تحت المخدة، ففي السفرة الواحدة كان يتقاضى بدلات تكفي لتحويل ابي الجعافر إلى حاج متولي في ليلة واحدة، (تذكرون بطل المسلسل المصري الذي كوّش على عدد من النساء الحلوات كزوجات) ثم غادرت ابنته الكبرى البيت لتلتحق بالجامعة فأحس اونيل بفقدها، ثم تذكر اونيل فجأة ان طفولة التوائم الثلاثة فاتته، وانه لم يقض معهم اكثر من بضع دقائق كل أسبوع، لانه كان يأتي بعمله إلى البيت ويقضي العطلات وهو يكتب ويحلل، ويقدم الاستشارات ويجري الاتصالات وكثيرا ما كان يخرج من البيت في غير أيام وساعات العمل لقضاء مهمة رسمية.. انتبه صاحبنا إلى أن التوائم يعرفونه ويعرفهم بالكاد، فما كان منه الا ان اتخذ قرارا بالاستقالة من العمل، وهكذا ترك وظيفة كانت تعود عليه براتب شهري صاف يعادل نحو 40 ألف دولار، وتفرغ للعب والفسحة والصرمحة مع عياله الثلاثة ومساعدتهم في واجباتهم المدرسية، ويقول اونيل انه لم يعرف طعم السعادة الا بعد ان جلس في البيت مع صغاره وانه لن يعمل مستقبلا، إلا في مجال الاستشارات المالية من منزله حتى يدخل التوائم الجامعة... لساعات محدودة جدا تكون خلال وجود التوائم في المدرسة
رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردن براون، رزق عندما كان وزيرا للمالية في حكومة توني بلير ببنت خديج، أي ولدت قبل اكمال الأشهر التسعة، وقرر على الفور اخذ إجازة للبقاء إلى جانبها حتى يشتد عودها، ولكنها فارقت الحياة بعد صراع مرير مع الموت استغرق بضعة ايام. المهم ان براون قام بواجبه كأب، فلزم البيت وبقي مع صغيرته إلى أن قال القدر كلمته، ومازلت أذكر خبرا تناقلته صحف لندن قبل حين من الزمان عن سوما تشاكرباتي البريطاني ذي الأصل الهندي، الذي قبل منصب وكيل وزارة في الحكومة البريطانية السابقة بشروط عجيبة: ان يأتي إلى العمل متأخرا ساعة واحدة، لأنه أرمل ولديه بنت واحدة، ولا يود مغادرة البيت قبل ان يعد لها طعام الإفطار، والشرط الثاني هو الا يطلب منه قط العمل ساعات إضافية، لأنه ملتزم بتناول العشاء كل ليلة مع ابنته ذات السنوات الست، وفوق هذا فإنه معفي من العمل في المكتب يوم الجمعة ليتسنى له حضور اجتماع مجلس آباء وأمهات مدرسة ابنته! فأين انت من هؤلاء أيها الأب.. يا من توزع يومك بين العمل والسمر.. وكل ذلك خارج البيت؟



jafabbas19@gmail.com