الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤١ - الجمعة ٦ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٢ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


أمنية الخليل





بعد أن تحققت لخليل الله ابراهيم عليه الصلاة والسلام أمنيته الغالية بأن يهبه الله تعالى ولدا بعد أن تعطلت أسباب الانجاب فيه وفي زوجه، فأقر الله تعالى عينه باسماعيل واسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب، لم يبق لنبي الله وخليله ابراهيم الا أمنية واحدة غالية على نفسه ويريد بها أن يضمن لأمته من بعده دوام الاستقامة وصحة التوجه، فكان صلوات ربي وسلامه عليه يناجي ربه ويسأله مخلصا ان يبعث في امته رسولا يتلو عليهم آياته سبحانه ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، فاستجاب له ربه وحقق له أمنيته، وها هو عليه الصلاة والسلام يرفع أكف الدعاء والرجاء الى مولاه عز وجل ويطلب إليه كما حقق أمنيته في الولد ان يحققها له في أمته المسلمة يقول تعالى: «ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم (١٢٨) ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم (١٢٩)» (البقرة).

ولقد استجاب الحق تبارك وتعالى لرجاء خليله ابراهيم عليه الصلاة والسلام واعطاه فوق ما يرجو حيث جعل هذا النبي الأمنية أعظم الرسل والأنبياء فاستله من خلاصة الأنبياء والرسل وجعله خاتمهم وامامهم رسالة، وشريعة، وكتابا، وأمة، فهو صلى الله عليه وسلم خلاصة من بعثهم الله تعالى الى الناس من أنبيائه ورسله، ونحن نعلم من القرآن الكريم أن الله تعالى ارسل رسلا كثيرين ولكنه سبحانه لم يقص على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الا خمسة وعشرين منهم، ثم اختار من بين هؤلاء، خمسة هم أولو العزم من الرسل، وهم نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعا، ثم اختار من بين هؤلاء الخمسة واحدا هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعله صاحب الدين الكامل، والنعمة التامة، والكتاب المصدق والمهيمن، والأمة الوسط التي جعلها الله تعالى خير الأمم لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله تعالى.

وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي على فترة من الرسل يحمل معه مواريث الأنبياء، ويجمع في معجزته الخالدة القرآن الكريم شرائع الأنبياء من قبله ويكون الميزان العدل، والحكم القسط، يصدق ما بقي فيها من حق لم تطله يد التحريف والتزييف، ويهيمن على ما شابها من عبث العابثين، وكذب المكذبين، وتزييف المزيفين.

نعم ان القرآن الكريم هو الوحي المطلق الوحيد الذي ظل على نقائه، وصفائه، ولم تستطع أيدي المحرفين والمزيفين ان تعبث به، او تطمس شيئا من معالمه وحقائقه لأن الله تعالى لم يكل حفظه الى البشر بوسائلهم العاجزة بل تكفل بحفظه والذود عن حياضه قال تعالى: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» الحجر/.٩

واحاطه سبحانه بسور حصين لا يستطيع أحد ان يتجاوزه، فقال تعالى: «... وانه لكتاب عزيز (٤١) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (٤٢)» (فصلت).

ولقد تحققت أمنية خليل الله ابراهيم عليه الصلاة والسلام، فجاء رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لينقل البشرية نقلة جديدة عظيمة، وليعلمها مما علمه الله تعالى، وجاءت دروسه وادابه من كتاب موحى به إليه، يستمد اصوله مما هو محفوظ ومكنون في اللوح المحفوظ، فعلمهم الكتاب والحكمة وزكاهم وطهرهم فكانوا بحق خير أمة أخرجت للناس، وكانوا شامة في جبين الدهر ودرة درره.

إن امل البشرية في الانقاذ معلق على هذه الأمة التي أخرجها الله تعالى للناس كما قال سبحانه: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله...» (آل عمران/١١٠).

وحتى يكونوا مؤهلين لهذه المهمة العظيمة جعلهم الله تعالى أمة وسطا، يقول سبحانه: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا...» (البقرة/١٦٣).



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

    الأعداد السابقة