الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤١ - الجمعة ٦ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٢ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


من ذاكرة السينما
آخر الرجال المحترمين (١)





يعد عام ١٩٨٤ السينمائي، عام التألق بالنسبة للفنان نور الشريف، بل إنه لقب بنجم الجوائز، بعد حصوله على جائزة التمثيل الأولى في مهرجان نيودلهي السينمائي، عن دوره في فيلم (سواق الأتوبيس). وكانت حساسيته كفنان في انتخاب أدواره، أمراً لا يرتفع له الحاجب دهشة أو استغراباً.. حيث كانت أدواره المنتقاة بعناية، مثالاً واضحاً على هذا التألق.. لذا لم يكن دوره في فيلم (آخر الرجال المحترمين) مفاجأة، بل كان مثار اهتمام الوسط الفني وتقديره.. حيث استحق هذا الفيلم الجائزة الأولى مناصفة مع فيلم (بيت القاصرات) في مهرجان الإسكندرية السينمائي في ذلك العام.

كتب فيلم (آخر الرجال المحترمين) للسينما مباشرة السيناريست وحيد حامد، وتناول فيه العلاقة بين المواطن البسيط والسلطة. ويبحث عن الحد الفاصل بين جهاز الأمن كقوة لخدمة المواطن وتحقيق الأمان له، وبين جهاز الأمن كأفراد وكروتين وكإجراءات تعوق تحقيق ذلك، بل تقلبه أحياناً إلى قوة تمارس السلطة وتتلذذ بها. في فيلمه هذا، يؤكد وحيد حامد ان السينما المصرية بإمكانها الاستفادة من الواقع المعاش والاقتراب منه، فهو مليء بالموضوعات التي يمكن أن تثري السينما، خصوصاً عندما يتم تناول هذا الواقع بشكل إنساني صادق.

يحكي الفيلم عن الأستاذ فرجاني (نور الشريف) المدرس في إحدى القرى، الذي يعتبر أطفال المدرسة مسئوليته الخاصة على كل المستويات الشخصية والعامة، وهو يتعامل مع الجميع كمرب فاضل مهمته بناء عقل الإنسان ووجدانه بكل الصدق والحب، ولا يستطيع تصور وجود عوامل أخرى تهدم ذلك البناء/ الإنسان، حيث انه يصاب بدهشة بالغة عند اكتشافه ان تلاميذه لا يعرفون الشاعر احمد شوقي، ويغالطون به مع احمد عدوية.

وأمام شخصية فرجاني المثالية التي برزت في المشاهد الأولى من الفيلم كنا نتوقع الكثير من المصادمات بين فرجاني وبين الواقع المخالف تماماً لأفكاره وأحلامه في القاهرة، إلا أن وحيد حامد يتخلى عن الكثير مما توقعنا مقابل مشاهد أخرى تعتمد على الإثارة والتشويق ولا تبتعد كثيراً عن البعد الإنساني لهذه الشخصية.

لقد استطاع السيناريو أن يؤكد الكثير من القيم النبيلة خاصة في احتكاك فرجاني بالمدينة والسلطة أثناء البحث. كما تبرز لنا مثالية فرجاني أكثر عندما يحاول الاتصال بوزير الداخلية شخصيا لمساعدته على العثور على الطفلة، إلا انه يصطدم أيضا بالواقع القاسي الذي تفرضه الإجراءات وحياة المدينة.

هنا يبدأ تصاعد الأحداث وتبرز لنا قدرة السيناريست، حيث لا يقدم لنا النقد الاجتماعي على شكل مواعظ ونصائح، وإنما يطرحه من خلال الحدث الناتج عن اختفاء الطفلة في إثارة وإنارة الرأي العام بشكل متناسق وشائق. يقوم فرجاني - وبشكل غير إرادي في البداية - بواجب وزارة الداخلية نفسها، ويبدأ البحث بطرائق أخرى غير مشروعة تقوده إلى اكتشاف صور متناقضة مع واجهة المدينة البراقة.



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

    الأعداد السابقة