زاوية غائمة
شبل وأسد
تاريخ النشر : الجمعة ٦ يناير ٢٠١٢
جعفر عباس
كان الأمريكي بوتش أوهير يقود سربا من المقاتلات الأمريكية، خلال الحرب العالمية الثانية في جنوب المحيط الهادئ عندما أدرك ان وقود طائرته لا يكفي لإنجاز المهمة، فتلقى الأمر بالعودة إلى حاملة الطائرات ليغزينجتون، وفي طريق عودته رأى تشكيلا جويا يابانيا يتجه صوب مواقع الأسطول الأمريكي، فانتابه القلق لأن الأسطول كان بلا غطاء جوي يحميه من الغارة المرتقبة، ولم تكن أدوات الاتصال المستخدمة وقتها تصلح لإرسال إشارات من مسافات بعيدة إلى قيادة الأسطول، فما كان منه إلا أن اتجه صوب الطائرات اليابانية وفتح النار عليها، وهكذا اشتبك معها في معركة غير متكافئة ظل خلالها يراوغ يمينا ويسارا حتى أسقط طائرتين ثم نفذت ذخيرته فقرر شن هجمات انتحارية عليها، وظل يصطدم بالمقاتلات اليابانية يكسر مروحة هذه وجزءا من جناح تلك، وكانت محصلة مغامرته تلك سقوط 6 طائرات يابانية، وتشتيت السرب الياباني، حتى اضطرت بقية الطائرات إلى العودة من حيث أتت، ونجح أوهير في الوصول سالما بطائرته المكعكعة وقد نفد وقودها تماما إلى حاملة الطائرات ليغزينجتون، وسجل التاريخ وشهود عيان من زملائه عمله البطولي الاستثنائي، وبالتالي لم يكن مستغربا أن يصبح أول من نال ميدالية الكونجرس الأمريكي للشرف وتم إطلاق اسمه على مطار شيكاغو الحالي.
أما الحكاية الثانية فعن المحامي الأمريكي الشهير إيزي ايدي الذي تولى الدفاع ببراعة عن زعيم المافيا الأشهر، آل كابوني، ونجح في تبرئته من كل تهمة ألصقت به، رغم علمه أنه ارتكب ما هو أسوأ من ذلك، وهو القتل بالجملة، وكان آل كابوني هو أشهر زعماء عصابة المافيا على مر التاريخ ومعروف أنها عصابة بدأت نشاطها بتهريب الخمور، ثم دخلت في مجال المخدرات، ثم انطلقت تشتري الذمم، ووضعت في جيبها العديد من ضباط الشرطة وأعضاء الكونجرس، بل صارت حكومة داخل حكومة، بل كانت للرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي علاقات قوية بزعماء المافيا، ونظير جهود المحامي إيزي ايدي في تبرئته عدة مرات، كافأه آل كابوني، الذي كان ينشط في مجال تهريب المخدرات والخمور والقمار والرقيق الأبيض (الدعارة)، بأن منحه بيتا ضخما بخدمه وحشمه وأرصدة مالية هائلة.. وكان لهذا المحامي ولد وحيد وفر له كل ما يشتهي: سيارات ومربيات ومدرسين خصوصيين ولعبًا ودمى، وكان حريصا على أن يغرس في نفس ابنه قيم الخير والفضيلة، ولكنه كان مدركا أنه ليس قدوة حسنة حتى يعظ ابنه في مثل تلك الأمور، كما أدرك أيضا أنه وبعلاقاته مع عصابة إجرامية، لن يترك لابنه سمعة حسنة حتى يكون فخورا به كأب طالما كان معروفا أنه لوى عنق القانون لحماية عتاة في دنيا الإجرام وطالما أن الجميع يعرفون أن آل كابوني الذي حصل له على البراءة عشرات المرات بسبب براعة محاميه القانونية، قاتل ومجرم قذر.
وعندما تم اعتقال آل كابوني مجددا بتهمة بسيطة وقف المحامي إيزي ايدي إلى جواره ولكن بدلا من أن يفند التهمة، بدأ يدلي بإفادة طويلة كشف فيها عن كل تفاصيل جرائم آل كابوني السابقة، وأبلغ السلطات بكل ما يعرفه عن المافيا مما أدى إلى الزج بقادتها في السجون، وبعدها أحس المحامي بالراحة والزهو، فرغم أنه كان يدرك أنه بشهادته ضد المافيا أصدر على نفسه حكمًا بالإعدام فإنه كان مرتاحا لانه ترك لولده ذكرى عطرة ومشرفة.. وبالفعل تم اغتياله بعد ذلك بوقت قصير.
القاسم المشترك بين الحكايتين هو أن أوهير أشهر طيار في تاريخ أمريكا العسكري هو ابن المحامي إيزي ايدي... ويفسر هذا كيف يمكن للابن أن يربي أباه.. أو بالأحرى كيف ان الإحساس بالواجب تجاه الأبناء يمكن أن يجعل الآباء أكثر استقامة.
jafabbas19@gmail.com