شرق و غرب
جدل في أمريكا حول الموقف من إيران
تاريخ النشر : الجمعة ٦ يناير ٢٠١٢
لقد عاد دعاة الحرب مجددا في الولايات المتحدة الأمريكية وهم يوجهون هذه المرة بنادقهم صوب إيران. يكفي أن نتابع ما يجري في السباق بين المرشحين الجمهوريين الانتخابات إلى الرئاسية المزمع إجراؤها سنة 2012، فأغلب هؤلاء المرشحين يؤيدون الدخول في حرب ضد إيران ويضعون ذلك ضمن أولويات سياساتهم الخارجية.
لا شك أن البرنامج النووي الإيراني يمثل تحديا كبيرا يتهدد المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط من دون الحديث طبعا عن أمن إسرائيل وأمن واستقرار الدول الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية والأمن العالمي بصفة عامة. رغم ذلك يجب ألا ننساق وراء دعوات أولئك الذين يدقون طبول الحرب، فلا توجد حلول سهلة للمشاكل في منطقة الشرق الأوسط.
تذكروا جيدا أن الحلول الأمريكية السهلة قد تضمنت فيما تضمنت إلقاء القنابل الثقيلة عندما كانت إدارة جورج بوش تقول لنا ان إلقاء القنابل الثقيلة يمثل الحل الأمثل لمشاكلنا مع النظام صدام حسين في العراق.
من حسن الحظ أن رؤوسا هادئة ورصينة تجلس الآن في البيت الأبيض وتدير شؤون الولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة ما بعد كارثة الحرب في العراق.
لعل ما يثير السخرية أن الأصوات قد عادت لتقرع طبول الحرب ويظهر أصحابها على أنهم خبراء يتمتعون بالمصداقية، في وقت تنسحب فيه القوات العسكرية الأمريكية نهائيا من العراق ليتم بالتالي إغلاق فصل أسود سقط خلاله أكثر من 4500 جنديا كما تكبدت الولايات المتحدة خسائر فاقت تريليون دولار بسبب الأخطاء الفادحة التي ارتكبها مهندسو السياسة الخارجية الأمريكية في عهد إدارة جورج بوش.
على سبيل المثال يجب تجاهل نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني مهندس الحرب في العراق الذي أصبح اليوم يدعو إلى الحرب ضد إيران، فقد قال في الأسبوع الماضي انه كان يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية أن توجه «ضربة عسكرية خاطفة» ضد إيران للحيلولة دون استيلائها على طائرة التجسس الأمريكية بدون طيار. بالمقابل فإن رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية الأميرال مايك مولن، الذي يعرف كل كبيرة وصغيرة عن الحرب، قد حذر من أي مواجهة عسكرية ضد إيران.
في الوقت الذي تقرع فيها هذه الأصوات طبول الحرب ضد إيران، ظلت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تعمل على تشديد الضغوط على النظام الحاكم في طهران من خلال التعاون الدولي في تنسيق العقوبات كما أنها عبرت علنا عن معارضتها للمواجهة العسكرية، غير أنها شددت بالمقابل على أن هذا الخيار لايزال مطروحا على الطاولة. تكون إدارة أوباما بذلك قد تركت الباب مفتوحا أمام إمكانية إيجاد تسوية دبلوماسية للأزمة الراهنة مع إيران.
لقد أقدم الرئيس باراك أوباما مؤخرا على خطوتين تعتبران مجازفة سياسية حقيقية في فترة بدأت فيها استحقاقات الانتخابات الرئاسية تقترب بسرعة، فقد أسال الكثير من الحبر واستهدف للكثير من الانتقادات بعد أن اعترض على توجه الكونجرس لفرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني كما أنه حذر من العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن القيام بعمل عسكري ضد نظام طهران.
اعترضت وزارة الخزانة الأمريكية على توجه الكونجرس لفرض عقوبات من طرف واحد على المصرف المركزي الإيراني لأنها تعتبر أن مثل هذه الخطوة قد تقوض التوافق الدولي ضد البرنامج النووي الإيراني. تعتبر وزارة الخزانة الأمريكية أن مثل هذه الخطوة قد تصب في مصلحة إيران وتعزز إيراداتها من ارتفاع أسعار النفط.
تحذر إدارة الرئيس باراك أوباما أيضا من أن مثل هذه العقوبات الانفرادية قد تعود بنتائج عكسية حيث انها ستزيد من قبضة نظام طهران على الاقتصاد الإيراني ليكون الشعب الإيراني هو المتضرر الأول.
رغم أن مجلس الشيوخ قد صوت بكامل أعضائه على فرض هذه العقوبات على إيران فإن إدارة الرئيس باراك أوباما قد قالت إنها ستطبق العقوبات وفق ما يخدم مصلحتها من دون الخضوع لأي ضغوط سياسية من جانب الكونجرس الأمريكي.
اما وزير الدفاع ليون بانيتا فقد قال ان الحرب ضد إيران ليست في صالح الولايات المتحدة الأمريكية وقد تعود بعواقب وخيمة على كامل منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك إسرائيل. حذر بانيتا أيضا من أن الحرب لن تؤدي إلا إلى تعزيز نظام طهران داخليا وإحداث حالة من الفوضى الاقتصادية وتعريض الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها لاعتداءات عنيفة، كما أنها لن تؤخر البرنامج النووي الإيراني إلا ما بين سنة إلى ثلاث سنوات. شن المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع إجراؤها سنة 2012 ميت روميني حملة من الانتقادات اللاذعة على إدارة الرئيس أوباما متهما إياها بالضعف في مواجهة إيران كما أنه تعهد بأن يعمل على قطع رأس نظام طهران إذا ما دخل البيت الأبيض.
في الحقيقة فإن أغلب الأمريكيين لا يريدون تكرار سيناريو كارثة الحرب في العراق غير أنهم يريدون من سلطات البيت الأبيض أن تتعامل بكل مسؤولية مع هذه المسألة الصعبة.