الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


الشعاراتُ والدعاياتُ حسب الزبائن

تاريخ النشر : الجمعة ٦ يناير ٢٠١٢

عبدالله خليفة



مع افتقاد بعض دول الخليج الالتحام الوطني العميق وغياب القوى الاجتماعية التوحيدية، تنفصل الطائفتان فتتباين المواقف المندمجة بالمصالح وتغدو فقاقيعَ سياسيةً وأرجوازات شخصية، فحين تنطفئ المبادئُ تزدهرُ الدكاكين السياسية.
يقول الوطني السابق:
(كل زبائن شركة التأمين التي أملكها هم من هذه الطائفة، وعملتُ بقوةٍ على كسبهم من خلال مواقفي السياسية، فكيف تريدني أن أفرطَ بهم؟ ليست المسألةُ مبدأيةً وأخلاقية ونضالية بل مالية!).
الطبيب يتكهرب وينفعل مدافعاً بقوة عن الديمقراطية حتى لو جاءت بقوة طائفية، يقول:
(هذا ما يجري في كل مكان، العديد من الدول قبلت بحكومات من هؤلاء الذين تنتقدونهم وتقولون انهم طائفيون؟ هل يتبدل الأمر هنا؟ لكن بيني وبينك أنا أعيش وسطهم، أولادي يعيشون بينهم، عيادتي موجودة بينهم، زبائني منهم، بركة سباحتي قد تمتلئ فجأة بالثعابين، سيارتي قد تحترق والفاعل مجهول! إذاً دعني أصرخ وأتكلم من أجل هؤلاء، وسوف أتحدث بهدوء يليق بمقامي وحالي، وانا جالس على مقعدي الهزاز قرب الحديقة، ولكن ليعرف زبائني مواقفي الساخنة الوطنية من أجلهم).
تاجرٌ كبيرٌ يصمت، وموظفٌ يتبنى موقفَ رؤسائه، تاجرٌ آخر نمت مؤسساتهُ وسط طائفة فيتظاهر بأنه مع الموقف السياسي الطائفي، الذي يعلن بقوة عنه:إنه ديمقراطي حقيقي!
مثقفٌ يحسب بالدولار ماذا سوف يستفيد من هذا الموقف، يفكر بذكاء: الآن الجمهور يتحول إلى ما يشبه البحر فكيف أقف جامداً لا أستغل هذه الفرصة؟ فيمضي فوق الموج المضطرب، ويبتسم للمتظاهرين، ويطلق مسجات كثيرة لتأييد العملية الموعودة بالنصر والواعدة بالكراسي الكبيرة، ويشيد بمواقف طائفية مغمورة بجمل ثورية زائفة، يضع يده في يد خصمه الذي تصارع معه سابقاً وكاد أن يضربه، لكن تجري الثورات بما لا تشتهي الخيبات السياسية، فالموقف يتحول بسرعة مذهلة وما كان نصراً وشيكاً غداً بطالة وغياباً للشيكات، والجملُ السابقةُ مرصودةٌ وموجودةٌ في كل مكان، لكن الدولارات تتناقص بسرعة مخيفة، إذاً لابد للجمل أن تناور وتلتف، ولابد من تغيير طابعها الحاد، وتكسير رؤوسها المدببة الملعونة، وتزييتها ببعض الزيت النفطي، فتغدو الثورةُ اضطراباً، وتصير الملحمةُ مغامرةً غير عقلانية، ولابد من وحدة الوطن والمواطنين، ونبذ الطائفية الآثمة.
مثقفٌ آخر يصيح عاشت المقاومة، وإيران هي الخندق الأخير ضد الامبريالية، ولابد من تكسير وهزيمة العدو الأمريكي، وهو يمشي بين الأكتاف الريفية، ويهتف لدول الممانعة، وفجأة تتخلى عنه السواعدُ وتهربُ في الأزقة، وترتعبُ الوجوهُ الغاضبة، فيمسكُ الجدرانَ بهلع، ويعلنُ بقوةٍ جبارةٍ بأن المقاومة خذلتنا وناصرت الطائفية، وأن إيران تحكمها عصابةٌ باطشة، والثورات العربية أكذوبة وليس ثمة أفضل من حالنا!
مثقفٌ آخر يقول فجأة:
(لابد من الوقوف مع الفقراء مهما كان دينهم ومذهبهم، وعلينا ألا نبتعد عنهم فهم مقياس النضال، وأساس الثورات، وإذا مضوا في درب فيجب أن نمشي وراءهم!).
يقول له رجلٌ عامي بسيط:
(أنت كنتَ دائماً تشتمُ الدينَ بمناسبة ومن دون مناسبة، وتصرخ: الدين أفيون الشعوب! وتنعت هؤلاء الفقراء بالجهلة السائرين وراء جماعات الخرافات والأباطيل، فكيف انقلبتَ هكذا؟).
رجلٌ مسئولٌ موظف سابق يعلن:
دولة القانون ضرورية والديمقراطية هي تبادل للحكم، والجرائم مرفوضة من أي طرف. ثم يصمت طويلاً وكل هزة من الهاتف تجعله ينتفضُ انتفاضةً جسدية لا ثورية، ويتأسى قائلاً: للأسف لم يتصل بي أحدٌ للعودة إلى الوزارة!
يهرع الرجلُ الديني لزملائه المذعورين ويبكي قائلاً:
- خسرنا كل شيء يا جماعة، المقاعد التي أمطرتنا مالاً لم نر مثله من قبل سُحبت عنا، ونجلس هنا لا شغلة ولا مشغلة، ومشاكلنا المالية تتفاقم وعيشنا يسوء، حركوا الجو كثيراً حتى لو رجعنا لاستخدام(الجهال)!
يتساقطون من فوق الكراسي، يتعثرون، يتصادمون، يركضون لمصالحهم الصغيرة وسط السلع والشيكات وأنقاض الأبنية وحرائق بيوت الفقراء والضحايا من الأولاد الذين هربوا من العلم والمدارس والمصحات العقلية.
اثنان يجلسان لا ثالث لهما وسط جمع غافل، يقول الأول: كيف نخرجُ من هذا الاصطفاف المخيف؟
يجيب الثاني: نؤيدُ كلَ رأي يدافع عن مصالح الناس من أي جهة جاء، ويتجذر هذا في رأي عام وتيار يرفضُ الخنادقَ الطائفية.