تحذيرات عالمية من أزمة غذائية تلوح في الأفق
 تاريخ النشر : السبت ٧ يناير ٢٠١٢
روما - من: أورينت برس
تتزايد التقارير العالمية القائلة إن القرن الـ٢١ سيشهد حروبا ليست على السيادة أو الثروات، بل على الغذاء والماء بسبب أزمة تظلل هذا العالم، وتتداخل فيها عوامل سياسية وبيئية واقتصادية، حتى ان الأمم المتحدة سجلت في مؤشرها لأسعار الغذاء العالمية خلال عام ٢٠١١ ارتفاعا متصاعدا وصل إلى ذروته في مارس الماضي، بينما تحدث الخبراء عن ١٢ عاملا تؤثر في ارتفاع اسعار المواد الغذائية وتنبئ بأزمة غذاء فعلية لا مفر منها.
من جهة ثانية، يقترح البعض حلولاً لمواجهة هذه الأزمة، تأتي في طليعتها «زيادة الانتاج» كحل جذري، لكن لا يخفى على احد ان زيادة الانتاج تحتاج هي الاخرى الى كُلَف باهظة.
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي عن الازمة الغذائية التي تلوح في الافق ومن المرجح ان تضرب مختلف بلدان العالم على اختلاف مستوياتها:
تشكل الارتفاعات المجنونة في أسعار الغذاء مصدر قلق كبير لأنها لم تعد مرتبطة فقط بعوامل بيئية مثل حالة الجفاف التي أصابت الهند ودول الاتحاد السوفيتي السابق وموجة الحر في الوسط الغربي الأمريكي خلال القرن الماضي، لكن ولسوء الحظ، باتت أزمة الغذاء العالمية في الوقت الحاضر تتغذى بشكل كبير من تزايد الطلب المصحوب بعجز عن زيادة الإنتاج الزراعي يضاف إلى التزايد السكاني الهائل وارتفاع درجات الحرارة العالمية وتراجع مساحات الزراعات المروية.
لهذه الأسباب يمكن وصف أزمة الغذاء العالمية للعام الجاري بأنها مشكلة حقيقية قد تجلب معها موجة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية في دول تعاني ضائقات اقتصادية. وكما الثورات التي اندلعت لتغيير الانظمة يمكننا ان نرى ثورات غذائية تطالب بتحسين الاقتصاد.
رمي الغذاء وحلول مقترحة
تفيد معطيات الفاو أن مليارا و٣٠٠ مليون طن من الغذاء الذي يرمى به كل سنة يشكل ثلث حجم إنتاجه العام خلال الفترة نفسها. ويشير التقرير إلى أن هناك سببين لتبذيره، أولهما غياب البنية اللازمة لإنتاج وحفظ الغذاء، ولاسيما في البلدان النامية. وبالنتيجة يزيد تلف المواد الغذائية على ٦٣٠ مليون طن. والسبب الثاني يعود إلى كمية هائلة لنفايات إنتاج الغذاء في البلدان المتطورة، فيرمى نحو ٧٠٠ مليون طن منها. وهكذا نرى أن سكان كوكبنا، سواء أكانوا فقراء أم أغنياء، لا يستفيدون بشكل صائب من الموارد الغذائية.
يقترح خبراء الأمم المتحدة لحل المشكلة في المقام الأول تغيير عادات سكان البلدان المتطورة فيما يتعلق باستهلاك الغذاء، فقد تعود الكثير من سكان العالم شراء كميات كبيرة من الغذاء بسبب التنزيلات التي تعلن في المحال التجارية الكبيرة وبالتالي ترمى بعد تلفها ولا تتم الاستفادة العقلانية منها.
والأسلوب الثاني الذي تقترحه الفاو لحل الأزمة الغذائية هو تطوير نظام توريدات الغذاء المنتج في البلدان النامية وتقديم المساعدة إلى المزارعين المحليين بحيث يكون بإمكانهم أن يعرضوا منتجاتهم على المستهلكين مباشرة، وهكذا يمكن أن تتقلص أضعافا مضاعفة الخسائر الناتجة عن تلف المواد الغذائية جراء حفظها ونقلها بشكل غير صحيح.
لكن الحل الثالث والمفضل لدى الخبراء هو طبعا يكمن في زيادة الانتاج عبر تبني خطط حكومية لتحسين القطاع الزراعي والاستفادة من المساحات الصالحة للزراعة في العالم. ومن الاجدى زيادة الاستثمارات الزراعية واستصلاح الاراضي ورفع الانتاج من المزروعات لكي يتلاءم العرض مع الطلب وتتوقف الاسعار عن الارتفاع. وقد طبق هذا الحل غربي افريقيا في بعض الدول منذ ازمة عام ٢٠٠٨، ووجدت الفاو ان هذه الدول باتت تحقق فائضا زراعيا مستمرا في النمو.
اما ما يجري من احاديث عن ان الدول التي تعاني تراجع انتاجها سواء من القمح او الارز او المواد الاساسية يجب ان تحظر التصدير، فإنه مقاربة خاطئة للحل بحسب الخبراء، لأن فعل ذلك سيرفع الطلب المحلي على الاستهلاك ووجودها بكثرة في الداخل سيؤدي الى تخفيض سعرها، بينما في الخارج سيرتفع معدل التضخم في الاسعار والضغوط الاقتصادية على الدول التي كانت تستورد هذه المواد، فهذا الحل من شأنه رفع الاسعار بدل لجمها.
اما سياسة دعم الاسعار من قبل الحكومات فهي سياسة مفيدة، لكن يسهل تطبيق هذا الدعم بينما يصعب جدا ازالته عندما لا تعود الحكومات تملك الميزانية الكافية، وبالتالي تبقى الحكومات تدفع باستنزاف ثمن الدعم بدل ان تستثمر هذه الاموال في مشاريع زراعية يمكن ان تؤتي ثمارها وان تحقق الاكتفاء الغذائي الذاتي على الاقل.
ويطرح البعض ايضاً حل توحيد الاسعار الغذائية في كل انحاء العالم، لكن الخبراء يعتبرون ان في ذلك اجحافاً بحق الدول النامية والفقيرة اذ ليس بامكانها ان تدفع ثمن السلع كما الدول الكبرى.
الاساب الواضحة
ومن الأسباب التي تجعل عدداً متزايداً من الناس يعتقدون أن أزمة الغذاء المروعة تلوح في الأفق، هناك ١٢ منها:
(١) إن ٤٤ مليون شخص في جميع انحاء العالم أصبحوا تحت خط الفقر منذ يونيو الماضي بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
(٢) كذلك فإن العالم يفقد التربة السطحية بمعدل مذهل، بحيث ان ثلث الأراضي الزراعية في العالم تفقد التربة السطحية أسرع من عملية إنتاجها الطبيعي.
(٣) ما يقرب من ثلث الذرة المزروعة في الولايات المتحدة تستخدم للحصول على وقود، وهذا يضع سعر الذرة تحت الضغط المتزايد.
(٤) نظراً لنقص المياه، يجد بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط نفسها مجبرة على الاعتماد كليا تقريبا على السلع الغذائية الأساسية من الدول الأخرى.
(٥) جداول المياه في جميع أنحاء العالم تستنزف بمعدل ينذر بالخطر بسبب الإفراط في عملية الضخ.
(٦) الأمراض مثل صدأ القمح ٩٩GU يضرب قطاعات واسعة من إمدادات الغذاء في العالم على نحو متزايد .
(٧) أزمة اليابان (التسونامي والأزمة النووية) جعلت مساحات شاسعة من المناطق الزراعية في هذا البلد غير صالحة للاستخدام.
(٨) سعر النفط أكبر عامل في هذه القائمة. فالطريقة التي ننتج بها غذاءنا تعتمد بشكل كبير جدا على النفط، فعند ارتفاع اسعار النفط ترتفع بالتالي أسعار السلع الغذائية بشكل طبيعي ويصبح العديد من المنتجات الزراعية غير ذي جدوى اقتصادية.
(٩) سيواجه العالم نقصا حادا في الأسمدة.
(١٠) التضخم الغذائي دمر بالفعل العديد من النظم الاقتصادية في جميع انحاء العالم، فعلى سبيل المثال، الهند تتعامل مع معدل تضخم سنوي من المواد الغذائية يقدر بـ ١٨ في المائة.
(١١) وفقاً للبنك الدولي، ارتفع سعر الغذاء العالمي إلى ٣٦ في المائة أعلى من الـ ١٢ شهرا الماضية كما وصلت أسعار السلع الأساسية من القمح تقريباً إلى ضعف ما كانت عليه الصيف الماضي، وأيضاً وصلت أسعار السلع الأساسية من الذرة تقريباً إلى ضعف ما كانت عليه الصيف الماضي، وارتفعت أسعار السلع الأساسية من فول الصويا إلى نحو ٥٠ في المائة مما كانت عليه منذ يونيو الماضي.
(١٢) هناك نحو ٣ مليارات شخص في جميع أنحاء العالم يعيشون على ما يعادل دولارين أو أقل في اليوم. ببساطة، يعتبر عام ٢٠١١ من أحد الأعوام الأشد جنوناً منذ الحرب العالمية الثانية. فالثورات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط، والمشاكل البيئية والزراعية التي تعصف بدول العالم المنتجة للغذاء، وارتفاع اسعار النفط وانخراط الدول في حروب لا دخل لها بها بدل الانفاق على الغذاء والزراعة، كلها عوامل ستؤدي مجتمعة الى انبثاق ازمة غذاء في الوقت القريب في حال لم يتم تداركها.
.