أخبار البحرين
الشيخ صلاح الجودر:
نطالب بمؤتمر للإصلاح والمصالحة تشارك فيه كل القوى المؤمنة بالحوار
تاريخ النشر : السبت ٧ يناير ٢٠١٢
قال الشيخ صلاح الجودر خطيب جامع الخير في قلالي في خطبته أمس ان الابتلاءات والفواجع من سنن الله في هذه الحياة: «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصـابرين» (البقرة:155).
والابتلاءات والفواجع ميادين كبيرة تظهر فيها مكنونات النفوس، ومخفيات الصدور، والمؤمن الصادق شاكرا في السراء، صابراً في الضراء.
وسط الابتلاءات والفواجع تستيقظ النفوس، وتعمل العقول، وتصدق المحاسبة، ويتجلى الثبات، فهي فرصة لمحاسبة الذات، ومراجعة النفس، ووسيلة لتقييم الحاضر، واستشراف المستقبل، فمن العقل والحكمة أن تصغي الأمة المبتلاة الى حكمائها وعقلائها، وتفتح قلبها لأمنائها وناصحيها، حتى وإن كانوا أقل مكانة وقدرا، وتستعد لسماع كلمة الحق ولو كانت مؤلمة ومرة. أصيب الكثير من دول العالم بأعمالٍ تدميرية تخريبية، قائمةً على ثقافة العنف والدمار، لذا يجب أولاً تأكيد أن هذه الثقافة هي شر وخراب للمجتمعات البشرية، مهما كان مصدرها ومنشأها، ومهما كانت دوافعها وأسبابها، لذا يجب التعاون مع شعوب العالم لاجتثاثها واستئصالها، ومنع أسبابها وتجفيف منابعها، فقد عانى منها الكثير من الدول، وذاق ويلاتها الكثير من المجتمعات، فجماعات العنف والدمار بعد تبنيها هذه الأيديولوجية الشيطانية ترتكب أبشع الأعمال، قتل وتدمير وتخريب وترويع وافساد، فمرتكب العنف والدمار منحرف في عقله، منحرف في تفكيره، منحرف في أخلاقه، ومن منا لا يدين العنف والدمار؟!
قال تعالى: «وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، الا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون» (البقرة:11-12).
فعمليات العنف والدمار تتجاوز تعاليم الأديان السماوية والأعراف الدولية، وتتجاوز حدود العقل والعرف، فهي لا تعرف دينا ولا مذهباً ولا عرقاً، فهي علامة شذوذ، ودليل ضياع وتخبط وفشل.
عام مضى وأبناء هذا الوطن يتألمون من صور العنف والدمار في الشارع من مليشيات قد تم تدريبهم قبل سنوات على هذه الثقافة، في صور اجرامية غير مسبوقة تناولتها الكثير من التقارير الحقوقية، فقد تحدثت تلك التقارير عن العنف والدمار، ومن يقف خلفه، وما أهدافه، ويكفي الفرد منا أن يتأمل في بعض الحوادث التي جرت في الساحة: أولاً ما تعرضت له الكثير من مدارس وزارة التربية والتعليم، وهي مدارس حكومية ولجميع الطلبة، ففي أقل من ثلاثة أشهر يتم الاعتداء على 22 مدرسة، تحطيم وتكسير وحرق وكتابات استفزازية، كل ذلك لشل حركة التعليم في البحرين والدفع بالطلبة الى ثقافة العنف والتدمير، وهذا جزء من المخطط المرسوم لأبناء المنطقة.
ثانياً: خروج مليشيات الشوارع حاملة القنابل الحارقة والأسلحة البيضاء لتعتدي على رجال حفظ الأمن، وما بثته وسائل الإعلام من نساء ملثمات في أيديهن القنابل الحارقة والآلات الحادة لأكبر دليل على حجم المؤامرة التي يتعرض لها أبناء هذا الوطن، وهي حلقة أخرى في المؤامرة على هذا الوطن.
بالله عليكم لماذا تستهدف مدارس وزارة التربية والتعليم مع أنها مسئولة عن تعزيز الأمن في عقول الشباب والناشئة؟، وما الهدف من استهداف رجال حفظ الأمن مع أنهم مسئولون عن سلامة الأرواح والممتلكات؟، ديننا الإسلامي يؤكد معنى الحماية للناس أجمعين، فالإسلام يحرم كل الأعمال العنيفة والإجرامية والتدميرية، سواء على المدنيين أو العسكريين، عمالاً أو طلبة، (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم)، وهذا ما صح عن نبيكم محمد(صلى الله عليه وسلم) في خطبة الوداع، فلماذا تمارس بعض الجماعات والمليشيات الشوارعية تلك الأعمال العنيفة؟
إن تحليل تلك الأعمال والتأمل فيمن يقف وراءها يؤكد أن المخطط والمؤامرة على هذا الوطن بمكوناته، السنية والشيعية، لا يزال قائماً، وهو تغير هوية أبناء هذا الوطن من خلال اتباع الصدام الطائفي، فالمشروع لم ينته ولم يتراجع عنه دعاته، بل هو قائم يلاحظ في تلك الأعمال العنيفة والتدميرية، فقد استبدلوا منهجية التنفيذ الكامل كما جرى في فبراير الماضي، إلى التنفيذ الجزئي والمرحلي، من أجل انهاك الدولة واسقاط النظام والدفع بالصدام الطائفي، وهذا ملاحظ في ممارساتهم وتعاطيهم مع القضايا، لذا فإن الفتنة نائمة لعن الله موقظها!.
قبل ذلك وبعده، يجب السعي لمعالجة كل القضايا التي تزعزع الأمن والاستقرار، فأبناء هذا الوطن كشعوب العالم ترنو إلى السلام والتسامح والتعايش، وتنبذ العنف والتدمير، لذا استوعبت آلام العام الماضي، ولا تريد أن تتكرر مرة أخرى، ومستعدة لأن تضحي بالغالي والنفيس من أجل وطنها وأمنها واستقرارها، لذا تتكاتف اليوم للتصدي لدعاة العنف والتدمير.
المطلوب اليوم هو علاج شامل لكل القضايا والإشكاليات، لا علاج بالتقسيط، فإن تقديم الحلول الجزئية يقرأها دعاة العنف والتدمير بأنها مكاسب حققوها بفضل عملهم، والواجب أن تكون تلك العلاجات في مشروع واحد لا ينفصل عن بعضه البعض، لذا نناشد بقيام مؤتمر للإصلاح والمصالحة بين جميع القوى الدينية والسياسية المؤمنة بالحوار والمكاشفة، تعرض فيه المشكلة وسبل علاجها وما تم تحقيقه، على أن يكون برنامجها الزمني على مراحل، والا يكون لحساب جماعة على جماعة، أو طائفة على طائفة، بل هي حقوق المواطن على أرضه، بهذا المسلك يتفادى المجتمع إشكالية السقوط مرة أخرى في مستنقع الصدام الطائفي.
رغم المؤامرات والمخططات سيبقى هذا الوطن -بحول الله - مصانا محفوظاً بعزيمة الرجال من أمثالكم، واخلاص قادتها وعلمائها.