الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أخبار البحرين

الشيخ د. فيصل الغرير:

صلاح الأوطان من خلال الأسرة والمجتمع

تاريخ النشر : السبت ٧ يناير ٢٠١٢



قال الشيخ د. فيصل الغرير في خطبة الجمعة أمس: لقد جعل الله تعالى البيوت سكناً يأوي إليها أهلها، تطمئن فيها النفوس وتأمن فيها الحرمات، وتستر فيها الأعراض ويتربى في كنفها الأجيال.
ويدرك المسلم قدر نعمة السكن والمأوى على بني آدم حينما يرى أحوال من سلبوا هذه النعمة، من المشردين واللاجئين من إخواننا في الدين، الذين يعيشون في الملاجئ، أو على أرصفة الشوارع، حينها يعلم يقيناً معنى التشتت، كما يدرك المسلم هذه النعمة عندما يرى إخوانه في العقيدة في بلاد منكوبة من العالم الإسلامي يتضورون جوعاً من البرد القارس والحر المهلك، لا يجدون ملجأ ولا مسكناً كريماً. يعيشون أقسى عيشة، ولا يجدون هدوءا ولا راحة، ولا سعادة ولا اطمئنانا، استولى الأعداء على بلادهم، فهدموا منازلهم وأقضوا مضاجعهم.
كما تبرز عظمة هذه النعمة نعمة السكن والمأوى أمام المسافر واضحة جلية في قوله عليه السلام «السفر قطعة من العذاب فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره، فليعجل الرجوع إلى أهله».
لقد سعى الإسلام سعياً حثيثاً لإصلاح الأسر والبيوت حتى تصلح الأوطان والبلدان، بدأ بها الإسلام بالأسس التي يتكون منها البيت المسلم وفي مقدمة ذلك اختيار الزوجة الصالحة، لأنها من عوامل الإصلاح للبيت، فقال عليه الصلاة والسلام: «تنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك». وقال أيضاً «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة».
وأما من ناحية الزوجة فقد أرشد الإسلام إلى اختيار الزوج الصالح ذي الخلق الطيب «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض».
كما أمر الإسلام بإحياء البيوت بذكر الله تعالى قراءة لكتاب الله وصلاة وعبادةً وذكراً، ولذلك كان من سنته صلى الله عليه وسلم صلاة النافلة في بيته، فقال عليه الصلاة والسلام «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً». وفي هذا دلالة على أن يجعل المسلم في بيته نصيباً للعبادة، ولاسيما الصلاة النافلة. لتعليم أولاده وأهله، وتعويدهم عليها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فإذا أوتر قال «قومي يا عائشة فأوتري».
البيت المسلم يحرص أهلُه على الجماعة، يخرجون إليها مبكرين.
كثير من البيوت تشتكي العين والسحر والأمراض، فكلها تنشأ في الغالب بسبب بعد أهل ذلك البيت عن ذكر الله عز وجل، لذلك فالبيت المسلم لابد أن يكون معطر بذكر الله وقراءة القرآن، محصن من الشيطان وقد رُغب في قراءة القرآن في البيوت، فقال عليه السلام «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة» وقال صلى الله عليه وسلم «إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله تعالى حين يدخل وحين يَطعمُ قال الشيطان -يعني لأصحابه- لا مبيت لكم ولا عشاء هاهنا، وإن دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال: «أدركتم المبيت، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه، قال: أدركتم المبيت والعشاء». وقال عليه السلام: «إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله توكلتُ على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله فيقال له حسبك قد هديت وكُفيت ووُقيت، فيتنحى له الشيطان، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووقي».
وكم في بيوت المسلمين من بيوت ميتة، بل هي في الحقيقة مأوى للجن والشياطين، بعيدة عن ذكر الله، مليئة بالفساد والمنكرات، لا يسمع فيها إلا مزامير الشيطان، وأصوات المطربين والمطربات، وما أقبح البيوت إذا خلت من ذكر الله، فاجتاحتها الشياطين وعشعشت فيها وفرخت، فصارت قبوراً وحشة، وابتعدت عنها الملائكة.
البيت المسلم مطهر من صوت إبليس. قال تعالى: «واستفزز من استطعت منهم بصوتك» قال مجاهد: صوت الشيطان الغناء. وقال عليه السلام «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف» وقال الوليد بن يزيد «إياكم والغناء، فإنه ينقص الحياء، ويزيد الشهوة ويهدم المروءة، وإنه ينوب عن الخمر ويفعل ما يفعله السُكر» فقال الإمام أبو حنيفة «الاستماع إلى الأغاني فسق» وقال مالك: «إنما يفعله الفساق» وقال الإمام أحمد «الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني».
البيت المسلم سليم من المخالفات التي نهى الله عنها ورسوله فقال عليه السلام: «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة» وقال عليه السلام «من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان».
معاشر المسلمين: ربُ البيت المسلم لا ينشغل عن تدبير شؤون بيته وأسرته بحجة العمل والارتباطات قال صلى الله عليه وسلم: «إن لنفسك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً» وللأب -عباد الله- دور مهم في توجيه وتربية الأسرة لا يمكن أن تقوم الزوجة به فتعاون أخي في الله مع زوجتك لحفظ أولادك وتربيتهم ومتابعتهم بالمشورة والحوار وسماع الرأي الآخر برفق ولين.
والمرأة التي تخرج للعمل وتترك الأولاد لتربيهم الخادمات ويرعاهم السائقون ويقومون عليهم، فالخادمات مصدر خطر على الأطفال وكم من القصص المؤلمة التي سمعناها عن تحرش الخادمة بالأولاد منذ أن كانوا صغاراً إلى أن كبروا وآباؤهم وأمهاتهم لا يعلمون، خادمة في أحد البيوت تتعاطى السحر والشعوذة وتضر أهله، وأخرى تعذب الأطفال في غياب الأب والأم، وثالثة تسمم الطعام، ناهيكم عن جرائم القتل وهتك الأعراض وغيرها من القصص.
الخادمة في البيت أجنبية لا تحل الخلوة بها ولا النظر إليها. البيت المسلم يجب أن يصان من المجلات الهابطة والقنوات الماجنة ومواقع الانترنت غير اللائقة، ومن مات وقد أدخل القنوات الماجنة وترك أهله من دون تربية صالحة فيخشى عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم «من استرعاه الله رعية فمات وهو غاش لهم لا يرح رائحة الجنة».
فيا أيها الأب المسلم ويا أيها الزوج المسلم ويا أيتها الزوجة والأم، اعلموا أن بيوتكم أمانة في أعناقكم استرعاكم الله على من فيها من الزوجات والأولاد والله سائل كل راع عما استرعى، أحفظ أم ضيع فيا خيبة من ضيع الأمانة وأساء التربية.