أخبار البحرين
الشيخ عادل المعاودة:
يجب التفريق بين انتقاد أعمال الحكومات وانتقاد ولاة الأمور
تاريخ النشر : السبت ٧ يناير ٢٠١٢
قال خطيب جامع الشيخ عيسى بن علي - رحمه الله - بالمحرق الشيخ عادل بن عبدالرحمن المعاودة محذراً من البدع: إن البدعة أمر مذموم، وان كانت البدعة مذمومة في الامور العملية فإنها في المنهجية أشد ذما لأنها أخطر من البدع العملية، ويشتد خطرها حين تكون صادرة ممن يعتقد الكثير أنه من أهل السنة وعرف عنه ذلك، فقد يعتقد أن ما يفعله هو السنة، وأشار إلى وجوب التفريق بين انتقاد أعمال الحكومات وانتقاد ولاة الأمور، فالحكومات تعين من ولاة الأمور مثلهم مثل غيرهم من العمال الذين يعملون للدولة، ونقدهم واجب وبيان خطأهم لازم حتى يبين ويصحح، وأما مع ولاة الأمر فإن المسألة تختلف، فالمطلوب هو النصيحة، ولكن لا بد أن تكون على طريقة أهل السنة والجماعة، لذا على أهل العلم وطلبة العلم وعلى متبعي المنهج السلفي ألا يطيروا مع كل طائر وألا يصرخوا مع كل صارخ.
وقال أيضاً: عندما بدأت فتنة الخروج على الحكام لم تقم من ذلك اليوم للإسلام قائمة ولم يفتح للإسلام شبر بعد أن تفرق أهل الإسلام إلى ولايات وإمارات.
وتابع الشيخ ذاكراً قول شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رَحِمَهُ اللَّهُ في كتابه العظيم (المسائل التي خالف رسول الله فيها أهل الجاهلية):
«الأولى: أنَّهم يُشْرِكُونَ بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فجاء الرسول بالإخلاصِ لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىوالثانية: أنهم مُتَفَرِّقُونَ في دينهم ودنياهم، فخالفهم رسول الله وجاء بالاجتماع؛ «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيه» الشورى: 13والثالثة: أن مفارقةَ ولي الأمر عِزٌّ وشرف، وأن السمع والطاعة ذل وحَقارة؛ فخالفهم رسول الله في ذلك، وأمر بالسمع والطاعة، وحَثَّ على ذلك، وأبدى فيها وأعاد».
قال رَحِمَهُ اللَّهُ: «وهذه الأمورُ الثلاثة لم يَقَعْ خَلَلٌ في دِينِ النّاسِ ولا في دُنياهُم إلا بسبب التّفريط فيها أو في بعضِها».
وصدق الامام ابن عبدالوهاب، فإن من تأمَّل التاريخ ونظر في أحوال الأمم؛ لم يجد فسادًا للدين والدنيا سوى هذه الأسباب الثلاثة؛ ولذا فإن الشارع الحكيم أمر بلزوم جماعة المسلمين، فَحَثَّ على ذلك، ورغَّبَ فيه، وشدَّدَ تشديدًا كبيرًا في مفارقة الجماعة، حتى رتَّب على مفارق الجماعة عقابًا شديدًا صارمًا.
إن السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين أصل من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، قلّ أن يخلو كتاب فيها من تقريره وشرحه وبيانه، وما ذلك إلا لبالغ أهميته وعظيم شأنه، إذ بالسمع والطاعة لهم تنتظم مصالح الدين والدنيا معا، وبالتعدي عليهم قولاً أو فعلاً فساد الدين والدنيا.
وقد عُلم بالضرورة من دين الإِسلام أنه لا دين إلاَّ بجماعة، ولا جماعة إلاَّ بإمامة، ولا إمامة إلاَّ بسمع وطاعة.
ويقول شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: «فالله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان، وألا يتَّخذ من أخطاء السلطان سبيلاً إلى إِثارة الناس وإلى تنفير القلوب من ولاة الأمور، فهذا عين المفسدة وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس، كما أن ملءَ القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى، وكذا ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء، وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها، فإذا حاول أحد أن يقلّل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر ضاع الشرع والأمن؛ لأن الناس إن تكلم العلماء لم يثقوا بكلامهم، وإن تكلم الأمراء تمرّدوا على كلامهم، وحصل الشر والفساد. فالواجب أن ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان، وأن يضبط الإنسان نفسه، وأن يعرف العواقب..».
وكما نكون يدًا واحدة مع ولاة أمرنا نكون بإذن الله كذلك مع علمائنا، العلماء وما أدراك ما العلماء، أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، أهل الرحمة والرضا، بهم يُحتذى ويُهتدى ويُقتدى، كم طالب علم علموه، وتائه عن صراط الرشد أرشدوه، وحائر عن سبيل الله بصّروه ودلّوه، بقاؤهم في العباد نعمة ورحمة، قال: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور العلماء، ولكن يقبضه بموت العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» أخرجه البخاري ومسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله «ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج عن الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي. لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة. فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا كان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته».
ويقول رحمه الله في السياسة الشرعية بعد أن ذكر الأثر: (إن السلطان ظل الله في الأرض)، ثم قال: «ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل رحمهما الله وغيرهما يقولون: لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان». إلى أن قال رحمه الله: «فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يُتقرب بها إلى الله، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات»
ورحم اللهُ الإمامَ أحمد بن حنبل الذي رفض الخروج على المأمون وهو الذي فرض على الناس بدعةَ القولِ بخلقِ القرآن، وقال لمن استفتاه في الخروج على ولي الأمر: «سبحان الله! الدماء الدماء، لا أرى ذلك، ولا آمرُ به، الصبرُ على ما نحن فيه خيرٌ من الفتنة، تُسفك فيها الدماء»، قال له السائل: والناسُ اليومَ في فتنة يا أبا عبد الله! قال: «وإن كان، فإنما هي فتنةٌ خاصة، فإذا وقع السيف عمت الفتنة وانقطعت السبل، الصبر على هذا ويسلم لك دينُك خير لك». وقال الإمام أحمد رحمه الله: «عليكم بالإنكار بقلوبكم، ولا تخلعوا يدًا من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح برٌ أو يُستراح من فاجر»، وقال: «ليس هذا بصواب، هذا خلاف الآثار».
وقال عبد الله بن المبارك: «إن الجماعة حبل الله فاعتصموا منه بعروته الوثقى لمن دانا».
كم يدفع الله بالسلطان معضلة
ديننا رحمة منا ودنيانا
لولا الخلافة لم تأمن لنا سبل
وكان أضعفُنا نهبًا لأقوانا
وهذا ينطبق على الحاكم المسلم بخلاف الحاكم الكافر الفاجر الذي يحارب الدين والإسلام وهذا أمره يرجع إلى العلماء الكبار .