هوامش
"هل دخلت ليبيا الطريق العراقي ؟
تاريخ النشر : السبت ٧ يناير ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
شهد الأسبوع الماضي صداما مسلحا بين مليشيات مسلحة في العاصمة الليبية طرابلس خلف وراءه العديد من القتلى والجرحى وأثار الرعب بين سكان العاصمة الليبية من المخاطر التي يشكلها الانفلات الأمني الذي تعيشه العاصمة والعديد من المناطق والمدن الليبية بعد انهيار المؤسسات الأمنية على اثر سقوط النظام السابق بعد الحرب الأطلسية الجوية التي تعرض لها والتي خلفت وراءها ما يقارب خمسين ألف قتيل من المدنيين والعسكريين الليبيين، إلى جانب الخسائر المادية الباهظة التي لحقت بالبنية التحتية الليبية: المدنية منها والعسكرية، حيث يمكن القول ان قوات الناتو التي قادت ونفذت وأنجزت عملية إسقاط نظام العقيد معمر القذافي تعمدت تدمير هذه البنى كي توكل لشركاتها إعادة بنائها من جديد.
إن التغيير السياسي بالطريقة التي أنجزتها القوى الاستعمارية في ليبيا لا يمكن وصفه بالتغيير الذي يصب في مجمله في خانة الشعب الليبي، ظاهريا يمكن القول: إن هذا الشعب تخلص من النظام الاستبدادي الذي كان يمثله العقيد القذافي والذي تسبب في تعطيل التطور السياسي الطبيعي في ليبيا على مدى أكثر من أربعة عقود وتسبب في تعطيل وشل أي دور لمؤسسات المجتمع المدني التي تعتبر الركائز الأساسية في المجتمعات المتطورة، فالتغيير الذي تم بالطريقة الأطلسية وضع ليبيا أمام مخاطر حقيقية فيما يتعلق بنسيجها الوطني ومنها الحوادث الأخيرة.
الدول الاستعمارية لا تسعى إلى تحقيق مصالح الشعوب من وراء تغييرها للأنظمة السياسية الاستبدادية، ولا يهمها إذا ما كانت الشعوب تعيش تحت وطأة أنظمة استبدادية، ولا تتمتع بحرياتها السياسية والاجتماعية والحقوقية، فأهداف الدول الاستعمارية تنحصر في خدمة مصالحها السياسية والمصالح الاقتصادية لشركاتها التي هي جزء من النظام السياسي في الدول الاستعمارية، فهذه الدول مهما قدمت من «مساعدات» لتمكين الشعوب من التخلص من الأنظمة الاستبدادية الحاكمة، فإنها غير مهتمة بتجنيب تلك الشعوب ويلات الخسائر الفادحة الناجمة عن أسلوب التغيير نفسه، وهذا بالضبط ما يحدث في العراق وليبيا حاليا.
رئيس المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا مصطفى عبدالجليل حذر، بعد تلك الاشتباكات، من خطورة انزلاق بلاده إلى حرب أهلية «ما لم تتم السيطرة على المليشيات المتناحرة التي ملأت الفراغ الذي خلفه سقوط الزعيم الراحل معمر القذافي»، هذا التحذير يستند إلى الحالة التي آلت إليها ليبيا بعد تدمير مؤسساتها الأمنية التي تعتبر صمام الأمان في وجه مثل هذه المخاطر، فالعراق بعد جريمة الغزو الأمريكي وتدمير مؤسساته الأمنية كلها، دفع ثمنا باهظا جراء ذلك وكان قاب قوسين أو أدنى من الانزلاق في حرب أهلية.
ومما يزيد من جدية المخاطر التي تهدد النسيج الوطني الليبي تلك التركيبة القبلية التي تميز المجتمع الليبي ناهيك عن دخول الجماعات المتطرفة المسلحة كقوى لها وزن لا يستهان به بين تلك المليشيات وسيطرتها شبه المباشرة على مقاليد الأمور في معظم المدن الليبية الكبيرة وفي مقدمتها العاصمة طرابلس، الأمر الذي يدفع إلى الأخذ على محمل الجدية تحذير رئيس المجلس الوطني الانتقالي من مغبة الانزلاق في حرب أهلية، وليس مستبعدا ذلك حيث الأوضاع في ليبيا تتجه نحو هذا المنحى، الذي لا يتمناه كل حريص على سلامة الشعب الليبي الشقيق.
إن القوى الاستعمارية التي أسقطت نظام العقيد معمر القذافي تعرف مسبقا أن أعمالها وطريقة التغيير التي انتهجتها لتحقيق هدف الإسقاط سوف تقود ليبيا إلى الوضع الذي هي عليه الآن، ومع ذلك فهي دعمت جميع المليشيات بالعتاد العسكري تحت حجة تمكينها من المشاركة في عملية إسقاط نظام العقيد، وتعرف جيدا أن هذه المليشيات لن تتخلى بالسهولة عن سلاحها، بل سوف تستخدمه لتثبيت أقدامها والدفاع عن مواقفها السياسية والعقدية، الأمر الذي سيقود حتما إلى أعمال خطرة كتلك التي حدثت مؤخرا من صدامات في العاصمة الليبية بين بعض من هذه المليشيات.
لا يهم القوى الاستعمارية أن يدخل الليبيون في صراعات مسلحة مع بعضهم بعضا، طالما تأكدت هذه الدول أن الطريق أماها سالك إلى مكامن الثروة الليبية، فهذه الثروة - كما هي ثروة العراق - كانت الدافع وراء تحريك الدول الاستعمارية لجيوشها لغزو الدولتين وإسقاط النظامين السياسيين فيهما، وقد شاهد الجميع كيف أن الشعب العراقي هو الذي دفع ثمن الاقتتال الطائفي الذي شهده العراق بعد جريمة الغزو، وهو المشهد نفسه الذي نخشى أن يتكرر في ليبيا، فهذه الدول لا يمكن أن تدفع فلسا واحدا لمساعدة الشعوب على التخلص من الأنظمة الاستبدادية، إلا إذا كانت فاتورة هذه المساعدات سوف تسدد من ثروات الشعوب ذاتها.