مسافات
الكتابة في الزمن الصعب!
تاريخ النشر : الأحد ٨ يناير ٢٠١٢
عبدالمنعم ابراهيم
تماما مثل رواية ماركيز (الحب في زمن الكوليرا) ننتقل من ميناء إلى آخر رافعين راية الخطر حتى لا تصيب العدوى الآخرين.. لكن أحد الأصدقاء سألني مؤخرا: لماذا تكتبون كل يوم عن العنف و«المولوتوف» والصدامات اليومية بين المخربين ورجال الشرطة.. ولا تكتبون عن شيء آخر في الحياة اليومية بالبحرين؟ لماذا لا تكتبون عن الثقافة والمسرح والموسيقى والشعر والسينما والفنون التشكيلية؟!
صديقي محق في سؤاله فقد تحولت كل كتاباتنا تقريبا لتشبه راية الخطر في رواية «ماركيز»، لكنني هنا أحاول الإجابة عن سؤاله بسؤال آخر: ما الذي جعل كاتبا وأديبا مرموقا مثل الزعيم الراحل (فاسيلاف هافل) يترك الأدب ويسخر قلمه وصوته في مطلع التسعينيات ويقود ثورة مخملية في «تشيكوسلوفاكيا» السابقة ويحرر بلاده من الشيوعية؟!.. وما الذي جعل الشاعرة (أونغ سان سو) تترك الشعر وتركن إلى عزلتها الاجبارية لتقود الإصلاح السياسي في (ميانمار)؟!.. وما الذي جعل الأديب السوري (برهان غليون) يترك كتابات النقد الأدبي ويتحرك حاليا في المؤتمرات الدولية ليمثل (المعارضة السورية) في الخارج؟!
هذه الأشياء لا يمكن أن تحدث بجرة قلم.. لا يمكن أن نقول للكاتب: توقف هنا وتحرك هناك.. وما أعرفه عن نفسي وزملاء آخرين في مهنة الكتابة اننا أصبحنا مُسيرين بقدرة الابداع من خلال ما يحدث حولنا من أحداث يومية.. لا يمكن أن نشاهد شرطيا يحرس أمن المواطنين ويكافأ على ذلك بقذفه بالمولوتوف أو محاولة دوسه بالسيارة، وبعد ذلك أكتب عن الموسيقى! حتى الموسيقار بيتهوفن لم يكن ليؤلف سوناتا (ضوء القمر) وهو يعيش مثل هذه الأجواء في بروسيا القيصرية القديمة!
كم هو أمل جميل وشغف آسر أن يكتب الشعراء شعرهم والكتاب رواياتهم ويرسم الرسامون لوحاتهم الجميلة ويؤلف الموسيقيون (نوتاتهم) الشجية لو أنهم عاشوا في زمن لا يقسمهم إلى نصفين! أو انهم لم يكونوا في حالة حيرة واختيار ــ كما قال الشاعر نزار قباني ــ: (بين الموت على صدري.. أو على دفاتر أشعاري)!
للأسف الشديد.. نحن في البحرين لم نعد نملك هذا الاختيار، فقد وضعتنا (الفتنة الطائفية) المستوردة من الخارج في جحيم حارق للعقول قبل الأبدان.. وكل طرف يردد كلمات شكسبير الشهيرة (أكون أو لا أكون)!.. ولكي يعود الابداع الأدبي إلى غرفة نومه الأثيرة ويكتب كل إنسان عن مشاعره بصدق، يجب أن نتخلص من (الفتنة الطائفية)، وان يكف كل طرف عن ترديد (زواج عتريس من فؤادة باطل)!
ورغم كل هذا فأنا أتفق مع صديقي في اننا بحاجة أحيانا إلى أن نخرج من دائرة الكتابة عن العنف في البحرين نحو موانئ أخرى لا يوجد فيها «كوليرا»!