الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


التياراتُ الدينيةُ والرأسمالية(1-2)

تاريخ النشر : الأحد ٨ يناير ٢٠١٢

عبدالله خليفة



لم تتخذ التياراتُ الدينيةُ مواقفَ مؤيدة للرأسماليات الحكومية الشمولية التي ظهرتْ على أشكالٍ اشتراكيةٍ وقومية مؤدلجة.
ليس فقط لأن تلك الرأسماليات كانت شمولية بل لأنها ضربتْ أشكالاً من المُلكية الخاصة، وتوجهتْ بحدةٍ للحداثة وبعضها أعلن رفضَهُ للأديان، وعملَ لتحجيم وتصفية التنظيمات الدينية.
لكنها تجاه الرأسماليات الحكومية المحافظة وقفت حسب وجهات نظرها الطائفية ومواقعها المصلحية.
في البدء علينا أن نذكر ذلك الميلاد الغامض المُحاصر للرأسمالية في التاريخ الإسلامي، فقد ساير الإسلامُ رأسماليةً واعدةً ظهرتْ في مكة قائدة التحول التجاري العربي وقتذاك، فغدت أسسُ البضائعيةِ متجذرةً في الدين، فالانتاجُ البضائعي مدعومٌ من قبله، من إنتاجِ البضاعةِ حتى بيعها بأشكال مختلفة، وكذلك التعبير عنها من خلال النقود، وبتبديل النقود بأشكالٍ غيرِ نقديةٍ مباشرة حسب تطور الحضارة التالي، وتم طرح كل نتاج في السوق الذي ازدهر قبيل تشكل الإقطاع المركزي في العواصم، وحتى البشر كانوا سلعاً وقتذاك، وكان العبيدُ مهمين في الإنتاج، وكانت قوى العرب ضعيفة في العمل اليدوي خاصة، وتم الوقوف ضد ما سُمي الربا، وهو قمة رأس المال المنفصلة عن الإنتاج، وهكذا فإن الرأسماليةَ تنامت محاصرة، فتحرير العبيد لم يتم، وكان سوف يُطلق قوى عمل كبيرة ويحولُ الكثيرَ من العرب البدو لمنتجين، كذلك فإن منع رأس المال المالي من الحركة أضعفَ رأسَ المال الإنتاجي الإسلامي عامة.
وكان تحويلُ ملكياتِ الفتوح إلى قطاع عام وعدم نشر الملكيات الخاصة المنتجة من خلال تحويل تلك الأراضي المميزة لقطعٍ خاصةٍ يستغلها الجنود، ثم تحول هذه الأراضي إلى ملكياتٍ خاصة للحكام، كل هذه الظروف أضعفت تطور الرأسمالية.
أسهمت هذه السببياتُ المتعددةُ في تضييعِ الفوائضِ النقدية المنتجةِ من الخراج التي اتجه أغلبُها للبذخ، فلم تسهم بشكلٍ واسع في تطوير الحرف، وانغلقتْ الحرفُ وتحولت إلى (نقابات) مغلقة، وتوجهت العلومُ خارج دعم هذه الحرف، فأصيبتْ بالتجريدية والانفصال عن قوى الإنتاج، وعملت الرأسماليةُ المالية التي كانت بيد(أهل الذمة) على تسريب الذهب والفضة خارج العالم الإسلامي حيث حدث الضعف الإنتاجي فالركود فالأزمات الاقتصادية والمجاعات والانهيارات والحروب في خاتمة المطاف، فنرى انتقالات رأس المال نحو مدنِ إيطاليا بدايةً، وحركت الحروبُ الصليبية انتقالات رأس المال للمدن الأوروبية ثم بدأت التحولات الكبرى الرأسمالية الغربية فيما بعد.
وهكذا فإن التيارات الدينية الإسلامية نشأتْ في خضمِ علاقةٍ مُضمرةٍ قوية برأس المال الخاص، من دون قراءات عميقة للتطور التاريخي السابق، وجاءت شعاراتُ لا رأسمالية ولا اشتراكية، معبرةً عن هذا التذبذب بين التشكيلات وعدم فهمها التاريخي.
وهي شعاراتٌ لا تتناقضُ جذرياً مع شعارات الحركات الشيوعية العالمية السائدة والقومية، فهي تبني الموقف نفسه ولكن بلغات ايديولوجية مختلفة.
إن تحويل القطاع العام إلى رأسمالية حكومية، هو مثل تحويل الأراضي الصوافي للفتوح الإسلامية إلى ملكياتٍ عامة ما لبثت الأسرُ الارستقراطية الحاكمة أن حولتها إلى ملكيات خاصة لها.
وهكذا فإن الاشتراكيات العربية لم تكن سوى شكل آخر من الفساد السابق بأشكالٍ أكثر تطوراً وفائدة بطبيعةِ حالِ القوى الجديدة، لكن مصادراتها للمُلكيات الخاصة وطبيعتها الايديولوجية المختلفة مع الايديولوجيات الدينية وفسادها المتفاقم، جعلتْ القوى الدينية ترتدلا إلى الاحتماء النصوصي بالماضي وتأييد كل الأشكال الاقتصادية المنبثقة عنه.
فأضعفتْ الاشتراكياتُ العربيةُ المُلكيةَ الصناعيةَ الخاصة المنتجة، وضّخمت قطاعات المقاولين والوسطاء ومحلات الصرافة والرأسمال العقاري، فغدا رأس المال الوسيط المالي هو القوة المتنامية وسط تخلف إنتاجي مريع.
ومن جهة أخرى فإن المُلكيات العامة ركزت في تصنيع المواد الخام، وعدم تحريك التصنيع في شبكات البنى العربية، وهو ما أدى في أيامنا إلى انتصارِ الرساميل غيرِ الصناعية والرساميل الخاصة التي تعيش على تلك الأقسام المالية والعقارية والعامة التي لم تُوضع في خدمة الأغلبيات الشعبية العربية.