قضايا و آراء
الفصائل الفلسطينية وما تفرضه استحقاقات المرحلة القادمة
تاريخ النشر : الأحد ٨ يناير ٢٠١٢
تصحيحاً لما تطرقنا له في المقال السابق بخصوص ما أشيع من أنباء عن تخلي بعض الفصائل العراقية للمقاومة المسلحة عن حمل السلاح والانخراط في العملية السياسية، فقد أعلن المجلس السياسي للمقاومة العراقية المسلحة في بيان له ان المقاومة المسلحة لن تتخلى عن حمل السلاح وأنها لا تعتزم الدخول في العملية السياسية الحالية كما فند كل الأخبار التي أشيعت بخصوص ذلك واعتبرها شائعات الهدف منها خدمة موقف الحكومة والعملية السياسية القائمة.
الجدير بالذكر ان فصيلين فقط هما من تخليا عن المقاومة وقد اُدخلا في العملية السياسية رغم الكثير من الأخبار والدلائل التي يؤكدها العراقيون ان احد الفصيلين متورط في سفك دم العراقيين المدنيين، وهذان الفصيلان هما حزب الله - العراق وعصائب أهل الحق ويعتبر الأخير احد الفصائل المسلحة التي انشقت عن التيار الصدري قبل سنوات بعد إعلان الصدر أن كل من يتورط في سفك الدم العراقي ليس محسوبا على التيار وقد أعلن براءة التيار منهم، علما أن التيار الصدري هو التيار السياسي المنفرد الأكبر على ارض العراق وتؤكد ذلك الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كما مذكرات الحاكم العسكري بول بريمر التي أكد فيها أن هذا التيار هو العقبة الكأداء التي تقف في وجه المحتل، كما أكد شدة مقاومته السياسية والعسكرية.
ويرجع الفضل في تأسيس هذا التيار إلى الفقيه العروبي محمد محمد صادق الصدر الذي استشهد هو وابنان آخران له في ليلة واحدة في حادث اغتيال في منطقة الحنانة بالعراق، والمفارقة أن هذا الرجل الوطني الشجاع عندما اصطدم المتخاصمون والمتنازعون فيما بينهم بشخصه اتفقت أجندتهم على تغييبه وإخفاء صيته ألا يظهر للعالم الإسلامي وقد شكل الصدر الأب هذا التيار على قاعدة وايديولوجية إسلاميتين عروبيتين تدعوان إلى الحفاظ على الهوية العربية على اختلاف مذاهبها ونحلها، وبعد رحيل الصدر الأب تولى قيادة التيار مقتدى الصدر وذلك لعدم تصدي غيره من البارزين لحمل المسؤولية بسبب الأخطار التي تحدق بهذا الموقع وقد هاجم مقتدى الصدر مؤخراً عصائب أهل الحق وأشار إلى أنها متورطة في دماء العراقيين كما المح إلى مسؤولية الحكومة عن إدخالهم في العملية السياسية، وواقع الحال ان هذا التيار يتعرض لاستهداف من محيطه العقدي كما يتعرض لمحاولة استهداف وتشويش مستمرين من قبل الإدارات الصهيونية ومن يتبنى مشروعها التقسيمي في المنطقة.
من الواضح جدا انه بعد سقوط نظام مبارك في مصر أصبحت القيادة الفلسطينية أكثر أريحية ومرونة في الجلوس إلى طاولة التراضي مع حماس ويبدو أن الوضع يتجه نحو ايجابية كبرى للتلاقي وإيقاف حملة التصادم التي كانت سمة المرحلة السابقة بين الفلسطينيين واليوم وفي ظل المتغيرات المستجدة على صعيد المنطقة فان الفلسطينيين مدعوون إلى تحمل مسؤولية المرحلة بالتجرد من النزعات الشخصية والحزبية، وإنهاء مرحلة الانقسام في بيت القيادة الفلسطيني وتغليب المصلحة العليا لقضيتهم الأم وقضية الأمة المحورية، فالتلاقي على قاعدة أكثر مساحة من المشتركات الوطنية هي حاجة مُلحة لا تحتمل التأخير في هذه المرحلة وذلك ما سيُفضي بدوره لزيادة الضغط السياسي على إسرائيل التي تُعاني اهتزازا في رؤيتها الاستراتيجية بشكل بات ملحوظا لدى المراقبين، فأي تقارب فلسطيني بيني في المرحلة القادمة لن يكون من شأنه خدمة الوضع الفلسطيني فقط بل ستنعكس نتائجه الضاغطة على إسرائيل وبما يخدم التحولات العربية الديمقراطية في المنطقة وهو ما سيصب بدوره في خدمة قضايا شعوبها.
وليس بخفي أن الملف الفلسطيني يشكل حجر الزاوية في حلقة الصراع العربي الإسرائيلي وان الأوضاع العالمية وتحولاتها توفر حظوظا غير مسبوقة لصالح الطرف الفلسطيني إذ لا نُبالغ إذا قُلنا إن هذه الظروف لم تتوافر للفلسطينيين منذ بداية نكبتهم وولادة مشروع دويلة إسرائيل وبالتالي فان من المحتم اليوم على الفصائل الفلسطينية إنهاء مرحلة الانقسام، والتلاقي على قاعدة الثوابت الوطنية، وعلى طريق الدفع بهذا الاتجاه صرح الرئيس عباس بمقولات مُشجعة أعلن فيها ميله إلى تقديم موعد الانتخابات الفلسطينية، وهذا التوجه مطلوب اتخاذه في اقرب توقيت مؤات تسمح به الظروف على ارض الواقع الفلسطيني.
ومع أن كل المؤشرات تذهب إلى أن حماسا ستكون ذات حظوظ اكبر من سابقاتها في المرحلة القادمة وهو ما يعني أن إسرائيل بصقورها المتعنتين بوجه القرارات الدولية سيتواجهون مع الصقور في الجهة الفلسطينية المقابلة، وان الاسرائيليين اليوم هم أكثر فقدا للمصداقية أمام الرأي العام الدولي والرسمي المعتدل بينما حماس وبعد موجة الربيع العربي ووصول التيارات الإسلامية إلى دفة الحكم قد تكون أفضل حالاً لإبراز واقعها وتثبيت وجهة نظرها السياسية وصورتها الإسلامية المعتدلة أمام العالم وما موقفها المتشدد من المحتل إلا يندرج تحت الحق الذي كفلته الشرائع بوجوب درء المغتصب عن تراب الأوطان، ذلك المحتل الذي سخر كل طاقاته لطمس الهوية الفلسطينية وتشتيت أبنائها في أقاصي الأرض.
وكما تقدم فان المؤشرات تُنبئ بان فرص حماس في تقبل الوضع الدولي لها ستكون أوفر حظا مما قبل وان إسرائيل اقل فرصاً اليوم للمناورة السياسية من الأعوام السابقة، أما عن ميزان القوة العسكرية فان الإحداث والأوضاع عامة توضح أن إسرائيل ذات قدرة تدميرية كبرى في أوساط المدنيين إلا انه حتى هذا العامل الذي تستخدمه إسرائيل كورقة ضاغطة على الفصائل المسلحة في المواجهة باتت العجلة العسكرية الإسرائيلية اليوم عاجزة عن التصدي لنتائجه المقابلة من الخسائر في الجانب الإسرائيلي إذ استطاعت المقاومة بصبرها ومثابرتها أن تُقلص فيه من هامش معادلة تقارب الاضرار في غير العسكريين وبحصول تقارب نسبي في معادلة عدم استقرار البنية المجتمعية في الطرف الإسرائيلي كما هو الأسلوب الذي تنتهجه إسرائيل ضد المجتمع الفلسطيني، وفي ضوء استخدام إسرائيل القوة ثبتت حقائق مؤكدة أن إسرائيل تتكشف أساليبها الوحشية أمام المحافل الدولية كما ثبت أن استمرار أي حرب فترة طويلة معها يفكك البنية الاجتماعية الهجين أصلا ويتسبب في حصول هجرات معاكسة للمجتمع الإسرائيلي من جديد، بمعنى أن النفسية الإسرائيلية تتزايد لديها درجات القلق من المجهول وما يفرزه هذا العامل بدوره من حال عدم الاستقرار واضمحلال الشعور بالطمأنينة في الوطن الموعود لدى الفرد اليهودي المهاجر.
كما أن هناك الكثير من المشاكل التي تتفاقم في الداخل الإسرائيلي بسبب أي عملية عسكرية تقوم بها إسرائيل، ولتشخيص هذا المحور بشكل اكبر يحتاج الباحث إلى الغوص في طبيعة المجتمع الإسرائيلي عن قرب ليحدد مكامن القوة من مواقع الضعف الاجتماعي والنفسي لبنية المجتمع الإسرائيلي ومدى حجم التباينات الثقافية والعرقية وطبيعة تكون الطبقات والشرائح المجتمعية والإدارية في المجتمع والدويلة الإسرائيليين.
إن إسرائيل باتت تعيش مأزق رؤية لخططها المستقبلية على أصعدة عدة، وواضح أن قيادتها اليوم ليس لديها خطاب غير الخطاب التصعيدي فقد أعلن نتنياهو ان إسرائيل لن تجلس إلى طاولة مفاوضات يكون على طرفها الاخر حماس في إشارة إلى وصول حماس إلى دفة قيادة الحكومة المستقبلية للفلسطينيين، وفي الجانب الاخر صرح رئيس الوزراء إسماعيل هنية بأنه لن يتم الاعتراف بإسرائيل، وهذا النوع من التصريحات المتبادلة يبشر بمرحلة ساخنة من المواجهة السياسية بين الطرفين، ومن جانب حماس اثبتت الأحداث تشخيصها للأسلوب الأنسب للتعامل مع إسرائيل وما صفقة مبادلة الجندي الإسرائيلي الأسير وما سبقها من شوط مارثوني تفاوضي إلا مؤشر على صحة الرؤية الحماسية في الكثير من مواقع المشهد الفلسطيني.
وفي هذا الصدد يستغرب المتتبعون تصريحات المتحدث باسم حزب النور السلفي المصري المتعلقة بالشأن العربي والفلسطيني تحديداً مع إسرائيل إذ أكد ضرورة تفعيل الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل ودعا إلى التقارب معها بأقل ما هو ممكن من المكاسب، وكان بالأحرى بالمتحدث عن ذلك التيار الديني المتشدد المدعي تشربه بنصوص القرآن الكريم أن يرجع إلى النصوص القرآنية وموقفها من الطرح الصهيوني ناهيك عن كون فلسطين دولة مغتصبة وجزء كبير من أهلها مازالوا يُنادون بخيار المقاومة حتى الرمق الأخير فأين ذهب التشدد الديني لذلك التيار؟ أم أن مُباركة الجانبين الإسرائيلي والأمريكي حاجة مطلوبة للوصول إلى مقاليد السلطة في مصر على حساب الدماء الفلسطينية؟