الجريدة اليومية الأولى في البحرين


يوميات سياسية


قل هذا الكلام للإيرانيين وأتباعهم

تاريخ النشر : الأحد ٨ يناير ٢٠١٢

السيد زهره



قبل ايام، ادلى وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو بتصريحات عن الوضع في منطقة الخليج وهو في طريقه الى زيارة لايران.
الوزير حذر مما اسماه بـ «حرب طائفية باردة» في المنطقة. وقال ان التوتر السني الشيعي سيكون «انتحارا» للمنطقة كلها. واضاف ان «تركيا تعارض بشدة وجود توتر شيعي سني جديد في المنطقة او مشاعر مناهضة لايران او تصاعد توترات مماثلة في المنطقة».
شيء واحد نتفق فيه مع الوزير هو ان التوتر او الصراع السني الشيعي، او ما اسماه «الحرب الطائفية الباردة» هو خطر يهدد كل دول المنطقة. هذا لا شك فيه.
اما فيما عدا ذلك، فقد غابت امور كثيرة عن الوزير التركي حين تطرق الى القضية وقال ما قال.
الامر الاول الذي غاب عنه ان تحذيره من توتر شيعي سني قادم متأخر جدا. هذا التوتر ليس جديدا او متوقعا. هذا التوتر الطائفي موجود بالفعل في المنطقة منذ سنوات طويلة. غير ان انطلاقته الكبرى وتفجره بشكل خطير بدأ خصوصا مع التطورات التي حدثت في العراق بعد الاحتلال وما تلا ذلك من تطورات خطيرة في المنطقة بالطبع.
الأمر المهم الآخر الذي غاب عن الوزير او غفل عنه، هو ان هذا التوتر الطائفي لا يتعلق في جوهره بصراع بين ابناء دول الخليج انفسهم من الشيعة والسنة.
لقد تعايش السنة والشيعة معا في دول المنطقة لمئات السنين من دون ان يصل التوتر بينهم في أي وقت من الاوقات الى الحد الذي وصل اليه في الفترة الماضية.
بعبارة اخرى، الأمر يتعلق في جوهره بحرب سياسية باردة موجودة بالفعل في المنطقة منذ سنوات، يعتبر البعد الطائفي احد ابعادها، وبعبارة ادق، يعتبر البعد الطائفي احد ادواتها الاساسية بالنسبة إلى إيران تحديدا.
اما اكبر الجوانب التي تجاهلها الوزير التركي عند اثارته للقضية، فيتعلق بهذا السؤال: من هو المسئول عن اثارة حالة التوتر الطائفي في المنطقة؟ ولماذا؟.
هذا سؤال محوري عند أي اثارة لقضية التوتر الطائفي في المنطقة لا يجوز تجنب الاجابة عليه.
لماذا؟
لأنه اذا كانت تركيا او أي قوة او أي جهة تريد حقا ان تلعب دورا لتخفيف هذا التوتر الطائفي والحيلولة دون تصاعده او تفاقمه اكثر، فهي لا يمكن ان تفعل ذلك بداهة من دون ان تتعامل مباشرة مع الطرف المتسبب في اثارة هذه الحالة، ومن دون ان تتطرق الى اسبابها المباشرة.
والحقيقة ان الوزير لم يتجاهل هذه الجانب الجوهري فقط، لكنه اظهر تحيزا او عدم ادراك بحديثه مثلا عن «المشاعر المناهضة لايران في المنطقة». كما لو ان هذه المشاعر المناهضة هي سبب المشكلة او تنطوي على ظلم لايران.
والأمر هنا ببساطة ان كل الكلام الذي قاله الوزير اوغلو عن خطر التوتر الطائفي الشيعي السني في المنطقة او عما اسماه بـ«الحرب الطائفية الباردة» كان عليه ان يقوله مباشرة للايرانيين وللقوى التابعة لهم في المنطقة.
لماذا؟
لأنهم هم المسئولون مباشرة عن هذه الحالة من التوتر الطائفي الحاد.. هم الذين جعلوا هذا الخطر الذي يهدد دول المنطقة بالفعل مطروحا، وهم الذين يدفعون في اتجاه تصعيده ومفاقمته.
ولا نحسب ان هذه الحقيقة بحاجة الى كثير ايضاح. الكل يعلم ان ايران صاغت قبل سنوات طويلة ملامح استراتيجية ترمي في النهاية الى محاولة فرض الهيمنة الايرانية على مقدرات المنطقة، وجعلت من البعد الطائفي بعدا أساسيا فيها، وجعلت من اثارة التوترات الطائفية في دول المنطقة احد اركانها الاساسية.
ومنذ احتلال العراق بصفة خاصة وما استطاعت ايران تحقيقه هناك من فرض لسيطرتها الطائفية، وفصول محاولة تنفيذ هذه الاستراتيجية تتوالى فصلا بعد فصل، الى ان وصلت ذروتها في الدور الايراني فيما شهدته البحرين من احداث تمرد طائفي في الاشهر الماضية.
ولم تكف ايران يوما عن محاولة إيجاد مرتكزات من القوى التابعة لها في دول الخليج العربية، ومن محاولات التدخل في الشئون الداخلية، ومحاولات اثارة الفتن والقلاقل الطائفية ، بما يصب في نهاية المطاف في خدمة استراتيجيتها الاقليمية.
والقوى التابعة لايران في دول المنطقة انخرطت بدورها في هذا المشروع الايراني وسعت لتأجيج الفتنة الطائفية خدمة لايران في المقام الاول ومن دون مراعاة للمصالح الوطنية لدولها.
وخلاصة الآمر كما نرى، انه من الصحيح تماما ان التوتر الطائفي خطر يهدد كل الدول. ومن الصحيح انه من المفروض العمل على احتواء هذا الخطر والحيلولة دون تفاقمه.
لكن أي دولة او جهة تريد مواجهة هذا الخطر عليها ان تخاطب الايرانيين مباشرة وتطالبهم بالكف نهائيا عن مخططاتهم لاثارة الفتن الطائفية في دول المنطقة والكف عن محاولة استخدام القوى الشيعية في المنطقة كمجرد ادوات لتنفيذ استراتيجيتها.