الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤٤ - الاثنين ٩ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ١٥ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


مراجعات فلسطينية في ذكرى انطلاقة حركة «فتح»





هي أول الرصاص وأول الحجارة وهذه حقيقة راسخة لا يمكن تجاهلها او القفز عنها وهي التي طوعت النظريات بالتجربة العملية الخاضعة لمنطق الاصرار والارادة وكانت لها الريادة بكل ميادين العمل والفعل، كانت المبادرة دوما القادرة على اتخاذ القرار وتقدير الموقف وجريئة لدرجة خلط الاوراق الاقليمية ان لزم الامر، والدولية ان استطاعت الى ذلك سبيلا.

لا شك ان حركة «فتح» تعيش اليوم واحدة من اخطر مراحلها حيث محاولات الشد بها الى القاع تارة من خلال الكثير من الوسائل والاساليب ومحاولة الارتقاء بادائها التنظيمي السياسي تارة اخرى. حركة «فتح» التي تم ويتم استهدافها ليس كما نعرفها او نعهدها يسيطر عليها الكثير من التجاذبات وفعل اللافعل ومن ردات فعل عناصرها على اسس غير مضبوطة بل ان كادرها قد اصبح هلامي الشكل والتوجه جراء هذا العبث بأدبياتها وقوانينها وكثيرة هي الاسئلة التي باتت تفرض نفسها وبقوة في ظل انطلاقتها الراهنة حيث كان من الملاحظ ان الحركة قد عانت وربما مازالت تعاني حتى اللحظة فعل الاستزلام والاسترجال لبعض عناصرها الأمر الذي ظل العنوان الابرز في المشهد الفتحاوي عموما.

ويتراءى السؤال هنا.. هل مازال هذان الفعل والأقرب الى السلوك العام محل استقطاب عناصر وكوادر «فتح» ام ان هذه الظاهرة قد بدأت التلاشي؟ وفعل المحاصصة هل لايزال مستمراً في التعبير عن منهجية الفكر والتفكير لكادر «فتح»؟ لقد كان من المعلوم ايضا ان الكل او البعض الكثير من هذا الكل يتساءل حول حصته او حصة شلته من هذا المغنم او تلك الوليمة، والجميع من دون استثناء على مائدة ما يجود به المسيطر على المشهد الفلسطيني عموما.. وبالرغم من نجاح الحركة في اجتثاث واحدة من ابرز بؤر الاستزلام والاسترجال والمحاصصة عليها وعلى تراثها.. تلك البؤرة الاقطاعية التي حاولت السيطرة على مشهد «فتح» والزج بها في اتون معارك ليست معاركها من خلال الشقاق والنفاق وهي الاساليب المعهودة للفعل التآمري الذي كاد ان يهدد اركان الحركة، والـمعتقد ان هذا التهديد مازال متواصلا بشتى السبل والوسائل.. والاجابات هنا منوطة بالسلوك العام لفتح التي اعتقد انها قد تجاوزت الكثير من الفخاخ التي نُصبت لها مؤخرا في سبيل احالتها الى اطار يتم تكوينه للعبور الى مرحلة كان ان تم التخطيط لها بدقة وفي دهاليز صُناع القرار في الغرف المظلمة.. وفي هذا السياق خاضت «فتح» واحدة من اعقد عمليات الجراحة الدقيقة لاستئصال بعض من اورامها الخبيثة التي اعتقد انها قد نجحت بفعل الاستئصال الا ان النتائج النهائية للاستشفاء مرهونة بالحالة العامة للحركة في ظل الحراك الفتحاوي العام.

قيل الكثير عن فتح ودورها بالظرف الراهن وقيل الكثير عن وقائعها الحالية ما بعد العواصف التي ألمّت بها وبأطرها القيادية.. والقيل والقال قادا منظري اللحظة الى حد القول ان العملاقة هذه قد شاخت وآن الاوان لأن يتم تجديدها، وفعل التجديد مرتبط بمفاهيم جدلية التجديد ذاته، والقراءة ما بين السطور توحي بأن ثمة تحولات جذرية تشهدها حركة «فتح» على طريق إحالتها الى التقاعد، وان تبقى مجرد لافتة تخدم مرحلة وظيفية خدماتية لمرحلة العبور الى الجديد.. وكانت المعاكسة لكل الاهواء والرغبات بأن تُحال فتح الى التقاعد.. مع العلم ان احالتها الى التقاعد المبكر أمر مازال قائماً ويتم العمل عليه حتى اللحظة.

وكأنه يُراد لها ان تنتهي، وان يتم اندثار مشروعها، وإسدال الستار على تاريخها، وكأن السيناريو المرعب الذي كدنا ان نشهد فصوله في مرحلة ليست بالبعيدة من الماضي القريب يوحي بأن ما وراء الاكمة ما وراءها . فبعد سلسلة طويلة من تباين المواقف وتصارع البيانات وضياع الحقائق واختلاط الحق بالباطل وتداخل كل مفاهيم الفعل التحرري وانقلاب قوانينه واستحداث هجائن جديدة من شأنها اعادة التموضع من جديد بكل ما يتصل بالقضية الفلسطينية المتناقضة والمتباعدة عن جوهر اساس «فتح» على الاقل مع ما تم إقراره في مؤتمرها السادس رغم الكثير من الملاحظات الجوهرية والمهمة حول هذا المؤتمر، فبعد كل هذا وذاك تحاول «فتح» ان تضع بصمتها من جديد على المشهد السياسي الفلسطيني العام وذلك من خلال التترس مجددا خلف محاولات الاصلاحات التنظيمية وان كانت عجلتها بطيئة وبطيئة جدا وعلى وجه التحديد محاولة اصلاح الوقائع التنظيمية في الاطار القيادي الاول، وتصويب الخطاب السياسي بعد القفزات التي حققتها فتح كرائدة للعمل السياسي الفلسطيني عموما وعلى الاخص الخطاب السياسي المتترس خلف الثوابت الوطنية التاريخية للشعب الفلسطيني، واخيرا محاولة «فتح» الرسمية واقول هنا الرسمية للدلالة العملية العلمية لإنجاز المصالحة الوطنية وللخروج من عنق زجاجة الانقسامين العمودي والافقي بالمعنى الجغرافي وبالمعنى السياسي التوافقي الاتفاقي وبالمعنى المؤسساتي.

لاشك ان وقائع المرحلة الفتحاوية الراهنة استناداً الى ما كان عليه الواقع الماضي يشير الى فعل تآمري من الطراز الاول على «فتح» وكأنه يُراد لها ان تغير جلدها وتوجهاتها وان تصبح اي شيء آخر غير «فتح» التي نعلم ونعرف، فقد ادخلوها في دهاليز العشائرية والتوافق العائلي وحسابات ارباب المصالح والتوافق بعد ان كانت تفرض ذاتها وحضورها على الجميع، وكأنها قد أضحت ثوباً يتم تفصيله وفقا لكل المقاسات وقابلة ان تتغير بتغير العشيرة والعائلة، ومناسبة القول هذا ما نحن بصدده في الظرف الراهن من استحقاق انتخابي قد يدهم الواقع الفلسطيني بأي لحظة وعلى اكثر من مستوى وصعيد.

حيث انه ووفقا لمخترعي النظريات الجديدة لابد من توافق العشيرة ومصالحها وتقاطعهم ورجالات «'فتح» الاكثر نفوذا في المناطق بصرف النظر عن ماهية البرامج وطبيعية الكوادر واختيار القوائم على اسس برامجية تأخذ بعين الاعتبار الكفاءات والانسب للموقع الانتخابي والملفت للانتباه ان معظم الصراعات والنزاعات التي خاضتها «فتح» سابقا وبمحطات انتخابية وبمختلف المحافظات هي صراعات ونزاعات فتحاوية داخلية تعكس بالاساس حالة الشرذمة التي تعبر عن ازمة فعلية كانت سائدة في الهيكل البنائي لحركة «فتح».

والسؤال هنا.. هل اجتازت «فتح» تلك الحالة وانتجت ذاتها من جديد وتخلصت من طفيليات كانت قد نمت على سطحها بشكل عبثي؟ وبمعنى اخر هل نستطيع القول هنا ان «فتح» مازالت تنافس «فتح» وعائلات الفتح كثيرة وسيدا الموقف الصراع والتنازع؟

وهل من الممكن القول ايضا ان «فتح» قد توحدت خلف ذاتها وايقنت ان عقابها من جموع جماهيرها قد جاء لرفض الحالة المتشرذمة التي عاشتها ابان الاستحقاقات الانتخابية الجماهيرية السابقة وهي الآن تعد العدة لانطلاقة انتخابية باكثر من مكان وباكثر من اطار (الرئاسة.. التشريعي.. المجلس الوطني.. انتخابات المجالس المحلية )؟ ام التشظي مازال سيد الموقف فتحاويا حتى يتم إقحام حركة «فتح» في معارك جانبية وهامشية مخطط لها لتستوي الطريق لتمرير فعل التفريغ واحالتها الى مجرد اطار يحتوي العناصر من دون الانتباه الى ضرورة فعل التأطير والتوجيه والتعبئة التنظيمية الوطنية على اسس ومنطلقات ومفاهيم الحركة.. وبالتالي عبورها بادبياتها وبرنامجها الى موقعها الريادي القيادي لجماهير الشعب الذي كان آمن بها واعطاها فأعطته؟

وبقراءة موضوعية للمشاهد الانتخابية السالفة نلاحظ ان المُسيطر على الفعل الانتخابي آنذاك كان صراع الارقام والمواقع ومن يكون على رأس القائمة كانعكاس لصراع العناصر والاشخاص الذين يعتبرون انفسم في عداد الكادر الفتحاوي وكل هذا يتم على ارضية تصفية حسابات ابناء «فتح» فيما بينهم، من دون الالتفات الى المصلحة العامة ومصالح العملية الإنمائية السياسية الاستنهاضية للواقع الفلسطيني عموما الذي من المفروض ان يحكم المشهد العام لتوجهات «فتح» على اساس اليقين بمتطلبات ووقائع المرحلة بعيدا عن الحسابات الرقمية في بوتقة الفعل الاستزلامي وصراعات شخوص البيت الواحد.

* كاتب فلسطيني



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة