قضايا و آراء
سيلفاكير في إسرائيل.. مفاجأة لمن؟
تاريخ النشر : الاثنين ٩ يناير ٢٠١٢
يفترض ألا تمثل زيارة سيلفاكير رئيس دولة جنوب السودان الجديدة لإسرائيل مفاجأة لأحد فهي باتت برأيي مسألة وقت فقط منذ إعلان دولة جنوب السودان أوائل العام الماضي، ورغم ميل تل أبيب للوقوف جانباً وعدم الظهور بقوة في مشهد الإعلان وما صاحبه من احتفالات وسجالات فإنها سرعان ما خلعت القفافيز بعد ذلك وأعلنت صراحة تأييدها القوي بل رغبتها في بلورة تحالف استراتيجي مع الدولة الوليد.
الملفات التي نوقشت أثناء الزيارة تمثل في الحقيقة الخطوط العريضة لهذا التحالف، وهي تضمنت تقديم مساعدات إسرائيلية لجنوب السودان في جوانب مختلفة تطاول البنى التحتية المنهارة والبدائية بالأحرى، إضافة إلى مساعدات أمنية ذات طابع تكنولوجي، أما الدولة الوليد فستساعد إسرائيل على مواجهة أزمة اللاجئين الأفارقة لديها وهذا في الحقيقة ليس سوى الاسم الحركي لتحولها إلى سمسار بل قاعدة أمنية إسرائيلية في افريقيا.
قاعدة التحالف الاستراتيجي تتمثل اذًا في البنى التحتية المنهارة للدولة الوليد وافتقادها الأسس الضرورية كي تكون قابلة للحياة، وهذا ناتج عن إهمال وتقصير تاريخيين وكارثيين على المستويين السوداني والعربي، علماً أن الفترة الانتقالية التي نص عليها اتفاق نيفاشا والتي سبقت استفتاء الانفصال مثلت فرصة ذهبية لتجاوز هذين الإهمال والتقصير وبناء مقومات الحياة الكريمة للمواطن الجنوبي كما الشمالي- في أبعادها المختلفة التعليمية والصحية والاجتماعية ضمن استراتيجية وطنية شاملة تلحظ الاستثمار المناسب والناجع لمدخولات النفط المرتفعة كما المساعدات العربية والدولية، إلا أن هذا لم يحصل للأسف واكتفى حكام الشمال بمراقبة بل تشجيع خلافات فساد وتبذير قادة الجنوب لميزانيات الإعمار والتنمية المخصصة لإقليمهم المنكوب، ولم يقتصر الإهمال والتراخي تجاه القضايا المصيرية على ذلك بل تعدياه إلى الاستخفاف بفكرة الانفصال نفسها وتشجيع الآراء الانفصالية العنصرية والقصيرة النظر كتلك التي تبنتها وروجت لها صحيفة الانتباهة القريبة والمدعومة من السلطة، أما عربيا فجرى تجاهل منهجي كارثي ومأساوي لقضايا السودان بشكل عام والجنوب بشكل خاص.
اتفاق نيفاشا لم يوقع للأسف لا في القاهرة ولا في أي عاصمة عربية أخرى، فقط في الأمتار واللحظات الأخيرة من الفترة الانتقالية أرسلت الجامعة وفدا إلى جوبا ولكن بعد أن سبق السيف العذل وبعدما بات الانفصال أمراً واقعاً ومحتوما. ببساطة واختصار ومن دون تذاك أو خداع للنفس قدمنا كسودانيين وعرب دولة الجنوب على طبق من ذهب لإسرائيل، وبنينا بقصر نظرنا وغبائنا القاعدة المتينة لتحالفها الاستراتيجي مع الدولة العبرية.
الجانب الثاني من جدول أعمال زيارة كير في تل أبيب تضمن كيفية مساهمة دولته في تخليص إسرائيل من مأزق أو تحدي اللاجئين الأفارقة الذي كشف عن وجهها البغيض وعنصريتها وميلها الغريزي إلى انتهاك القوانين والمواثيق الدولية، وبعدما عجزت عن منع وصولهم إليها تفتق عقلها الاستعماري عن فكرة إقامة معسكر اعتقال كبير لهم إلى حين ترحيلهم أو إعادتهم مرة أخرى إلى بلادهم، علماً أن جزءاً «معتبراً» من هؤلاء اللاجئين هم من السودان -الجنوب ودارفور- ونصفهم الآخر من دول إفريقية أخرى خاصة من اريتريا. وبعدما وافقت دولة الجنوب الوليد على استعادة مواطنيها وفق جدول زمني محدد وصلت أخيرا- كما أعلن عضو الكنيست العنصري والمتطرف داني دانون - إلى الموافقة على استضافة معسكر الاعتقال الكبير على أراضيها تمهيداً لإعادة اللاجئين الأفارقة قهراً وبالقوة الجبرية إلى بلادهم وذلك طبعا مقابل مساعدات مالية واقتصادية مع بذل جهود دولية لاستجلاب دعم مماثل من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.
المعطيات الأمنية والاقتصادية السالفة الذكر تمثل المدخل نحو تأسيس التحالف الاستراتيجي بين البلدين حيث إسرائيل الراعي الرسمي شبه الحصري لدولة الجنوب الوليد بينما ستكون هذه الأخيرة بمثابة القاعدة الأمنية ومركز النشاط الإسرائيلي في القارة السمراء بحجة تكوين حاجز مسيحي يقف في وجه الحزام الإسلامي الناشئ بعد الربيع العربي الذي تزعم تل أبيب أنه سيمثل خطراً على الدول الإفريقية كما على المصالح الغربية في القارة السمراء.
إذًا تأسيس التحالف الاستراتيجي بين جنوب السودان وإسرائيل هو العنوان العريض لزيارة كير لتل أبيب التي يفترض أن تمهد بدورها للزيارة المرتقبة لنتنياهو لجوبا أوائل العام الحالي ضمن جولة افريقية أوسع تشمل كينيا وأوغندا واثيوبيا هي الثانية لرئيس وزراء إسرائيلي في القارة بعد الزيارة الشهيرة لبن جوريون منتصف القرن الماضي التي هدفت أيضا إلى انجاز الهدف نفسه وهو ما لم يتحقق أساسا بفضل السياسة النشطة لمصر عبدالناصر ثم حرب الاستنزاف الطويلة التي فرضتها الثورة الفلسطينية على الدولة العبرية نصف قرن تقريباً.
من الصعب تخيل نجاح أي عمل عربي مضاد من دون جهد مصري سوداني مركز منسق يلحظ الدفاع عن المصالح العربية الحيوية في عمقها الاستراتيجي كما من دون قيام الفلسطينيين بواجبهم عبر خوض معركة استنزاف جدية متعددة الأبعاد والأشكال والجبهات ضد الدولة العبرية ما يمنعها من المغامرة أو العبث في القارة السمراء التي يفترض أن تمثل مساحة للتفاهم العربي الإفريقي الإسلامي المسيحي بعيداً عن تدخلات إسرائيل وميلها الغريزي لتأجيج النزاعات والخلافات وضمان بقائها وهيمنتها وفق القاعدة الاستعمارية التقليدية فرق تسد.
* باحث في الشئون الاسرائيلية