هوامش
دعاة الفتنة.. هل قرأوا القطان؟
تاريخ النشر : الاثنين ٩ يناير ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
منذ أن أطلق صرخته المشهورة من على منبر الخطابة الدينية التي قال فيها صراحة «ان هناك من بين الإعلاميين وغيرهم من يتمصلح من الوضع غير السليم وغير المألوف الذي نمر به في البحرين بعد أحداث شهري فبراير ومارس من العام الماضي»، لم يتوقف الشيخ الجليل عدنان القطان عن الإفصاح بكامل الصراحة عن مواقفه الوطنية الشجاعة فيما يتعلق بالأوضاع التي تمر بها بلادنا في الوقت الراهن وخاصة جريمة التأجيج الطائفي التي تمثل أكبر خطر يهدد النسيج الوطني، وهذا ما دفع الشيخ القطان في خطبة الجمعة بمركز الفاتح الإسلامي إلى دعوة «أهل العلم والخطباء والمثقفين والكتاب إلى رفض الطائفية وتحريض الشباب على العنف، مؤكدا الوحدة الوطنية والألفة والمحبة بين مختلف أبناء الشعب البحريني».
لسنا هنا بصدد المقارنة بين هذا الطرح الوطني السليم من على منبر الخطابة الدينية وبين خطب دينية أخرى تنطلق من على المنابر نفسها تصب الزيت على النار الطائفية، فشتان بين لسان القطان وتلك الألسن ، ما نريد أن نطرحه منطلقين من موقف الشيخ القطان، هو أن أي خطاب لا يضع في اعتباره المصلحة العليا للوطن وفي مقدمة ذلك لملمة الصفوف الوطنية وترميم التصدع الذي أصاب بيتنا البحريني، إنما هو خطاب يستوجب وقفه عبر الأدوات القانونية التي تجرم شق الصف الوطني والتحريض الطائفي ونشر ثقافة الكراهية عبر الخطب والكتابات وغيرها من وسائل نشر مفردات هذه الثقافة.
عدد من شيوخ الدين الذين يعتلون منابر الخطابة الدينية لا يمتون إلى نهج التسامح والوطنية الذي يسطره الشيخ القطان في خطبه الدينية، فأمثال هؤلاء الخطباء لا يشوهون التعاليم الدينية التي ترفض تفضيل شخص على آخر «إلا بالتقوى» فحسب، وإنما يمثلون معاول هدم وتخريب السياج الوطني الذي يفترض أن يعملوا وغيرهم على تقويته في الظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا وليس العكس، فالكثير من الخطب الدينية والكتابات عبر مختلف وسائل النشر، يعتبر أصحابها مسئولين عن ارتفاع وتيرة التأجيج الطائفي واتساع الشرخ في الجسد الوطني، حيث لم تتوقف تلك الأصوات منذ الأحداث الأخيرة التي اندلعت بداية العام الماضي، لم تتوقف عن نشر وبث النزعات الطائفية في الأجواء الوطنية.
الواجب الوطني يفرض على هؤلاء الخطباء والمثقفين والكتاب التوقف عن لغة التأجيج الطائفي التي تسبب حتى الآن في تخريب وتأخير مختلف الجهود التي سعى ويسعى إليها المخلصون من أبناء هذا الوطن لتجاوز التداعيات التي ترتبت على تلك الأحداث الأليمة التي مرت بها بلادنا، وتمكين بلادنا من الانطلاق نحو البناء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي السليم وتحصين بلادنا من أي كوارث مجتمعية أو اقتصادية أو سياسية قد تتعرض لها في المستقبل، فالشعوب التي تبتلى بالفرقة وانتشار الكراهية بين مكوناتها العرقية أو الدينية والمذهبية عادة ما تكون صيدا سهل الافتراس، وهذه حال لا يمكن أن يرضى بها كل من له ذرة من العقل والإحساس الوطني.
فدعاة الفتنة والتأجيج الطائفي لا تحلو لهم دعوات التهدئة والمصالحة الوطنية ولا الخطب الوسطية الوطنية كتلك التي يحدث بها الشيخ عدنان القطان وأمثاله من الخطباء من الطائفتين الكريمتين، فالشيخ الجليل لم يخطئ حين قال «ان هناك من يتمصلح من الوضع غير الصحي في بلادنا»، وبالتالي لم تفاجئنا العصي التي تضع في دواليب عجلات الجهود الهادفة إلى إخراج بلادنا من وضعها الحالي ومساعي التهدئة وترشيد الخطابات والكتابات، ذلك أنه إذا ما نجحت هذه الجهود ووضعت عربتنا الوطنية على سكتها الصحيحة، فإن دعاة الفتنة هم وحدهم الخاسرون.
من يسعى إلى إطالة عمر الوضع غير الصحي في بلادنا، لا ينتمي إلى تراب هذا الوطن، وإنما ينتمي إلي ذاته فقط إذ هو يضع مصالحه الخاصة بصيغتها الأنانية فوق المصالح العليا للوطن والشعب، أمثال هؤلاء يخطئون إذا ما اعتقدوا أن بمقدورهم إفشال التوجه الوطني الصادق لإخراج بلادنا من الخلل الذي تعيشه حاليا، ونحن لا يساورنا أدنى شك في قدرة شعبنا بأبنائه المخلصين من علماء الدين والمثقفين والكتاب من مكونات شعبنا العرقية والدينية والمذهبية كافة، على تصحيح مسيرة سفينتنا الوطنية وتمكينها من الإبحار من جديد نحو تحقيق المزيد من المكاسب والإنجازات السياسية والحقوقية والاقتصادية لصالح جميع أبناء الوطن على قاعدة أن العدالة تبني الأوطان فيما الأنانية والتمييز يهدمان أقوى البلدان.