ماذا يحمل عام ٢٠١٢ من مفاجآت سياسية؟
 تاريخ النشر : الثلاثاء ١٠ يناير ٢٠١٢
بيروت - من: أورينت برس
من الممتع أن ندعي الشعور بالحماسة لاستقبال عام ٢٠١٢، لكن لا شك أن الوقائع السلبية ستقف في طريق التفاؤل، ففي الشؤون الدولية على الأقل، يبدو أن العام الحالي سيكون مأساويا ومن المتوقع أن تحمل المرحلة المقبلة عنوان: لا سلام، لا ازدهار، لا تطور.
في مناطق الصراع ثمة أمل ضئيل في انفراج الأوضاع في عام ٢٠١٢ وتبرز أسباب مقنعة توحي بأن الأسوأ لم يحصل بعد. وعلى المستوى الاقتصادي، تهدد أزمة الديون النقدية والسيادية التي تطاول أوروبا والولايات المتحدة بتلطيخ سمعة الأسواق العالمية والتسبب في كساد عام.
اما على المستوى السياسي، فستمتد مظاهر غياب حس القيادة لإدارة شؤون العالم من عام ٢٠١١ حتى عام ٢٠١٢، وذلك بسبب عودة ظهور النزعة القومية، وخدمة المصالح الشخصية، والعمليات الانتخابية الفاسدة، فضلاً عن التركيز المتزايد في سياسة الخوف .
لكن على الرغم من ذلك كله، ربما علينا دوما ان نتذكر مقولة: بعد كل غيمة تشرق الشمس.
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي:
سيكون عام ٢٠١٢ لافتا لأن أربعة بلدان من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، ستخوض انتخابات على أعلى المستويات، ومن المتوقع أن تحول هذه الاستحقاقات الأنظار عن القضايا الأساسية، وأن تخفف التزام القادة بالشؤون الدولية، وتقليص دور السياسة الخارجية بما يناسب الطموحات السياسية. واللافت في هذا الاطار، كان احتفال اوباما المبالغ فيه بالنجاح الأمريكي في العراق، مع التشديد على أنه نفذ وعده بإنهاء الحرب وإعادة القوات العسكرية إلى ديارها، بهدف استمالة الناخبين الأمريكيين مباشرة، ولكنه أغفل بذلك استمرار الاضطرابات السياسية الحادة في العراق، فقد هزت مجموعة من التفجيرات البلد قبل عيد الميلاد، ما أثار المخاوف من تجدد الصراع الطائفي.
حروب إضافية
سيشهد عام ٢٠١٢ صراعات أخرى أكيدة أو محتملة. يخشى البعض أن يؤدي التوتر الحاصل في جنوب السودان الذي استقل عن الشمال في عام ٢٠١١، بسبب النزاع على الحدود والموارد، إلى انهيار أحدث دولة في العالم. وتشير النزاعات التي وقعت بعد الانتخابات في جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى انغماس البلد في أعمال العنف، ولا شيء يدل على تراجع أعمال القتل العشوائية التي ترتكبها جماعة «بوكو حرام» الإسلامية المتشددة على خط التماس بين المسيحيين والمسلمين في نيجيريا أكثر بلدان إفريقيا اكتظاظاً.
في شرق آسيا، انتشرت مخاوف كثيرة بعد وفاة رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ إيل، ويشكك كثيرون في أن يكون ولي العهد الشاب كيم جونغ أون أهلاً لهذا المنصب كونه يفتقر إلى الخبرة اللازمة. وفي بورما، قد يحدد عام ٢٠١٢ إذا ما كان التطور الأخير لإنشاء نظام حكم متعدد وشامل سيبقى دائماً وفاعلاً أم أنه كان مجرد تحول ظاهري يهدف إلى إعادة تأهيل النظام القديم.
كما من المتوقع أن تبقى اللعبة الطويلة في أفغانستان دموية وعقيما ومربكة، إذ ستبدأ قوات الجيوش الأمريكية الإضافية بمغادرة البلد في عام ٢٠١٢ وستسرع بريطانيا مغادرتها أيضاً، فلابد في هذه الحالة من أن تنجح القوات الأفغانية في تسلم الوضع الأمني، لكن ستكون هذه المهمة حاسمة ومعقدة في آن.
يمكن أن نتوقع أيضاً تزايد الاضطرابات المزمنة في باكستان طالما تستمر المواجهة مع الولايات المتحدة بسبب استراتيجيات مكافحة الإرهاب، وطالما يبقى اتفاق السلام بين الأفغان و«طالبان» مبهماً. وتشتد المخاوف في باكستان من استيلاء الجيش على الحكم مجدداً، لكن قد يؤدي الانقلاب إلى تصعيد وتيرة الصراع بين أفغانستان وباكستان وتوسيع نطاقه.
الربيع العربي الثاني
لم يمض عام واحد على أحداث الربيع العربي ولم تتضح بعد نتائج هذه التحركات الشعبية غير المسبوقة التي طالبت بالديمقراطية وتقرير المصير، بدءاً من اليمن والجزائر وصولاً إلى مصر وليبيا. وحدها تونس تشكل قصة نجاح حتى الآن بعد مخاض عسير، أما حملات القمع المستمرة ضد الانتفاضة السورية، فتعتبر أخطر المظاهر حتى الآن.
وتتعدد المسائل المحورية في عام ٢٠١٢، أبرزها صمود أو سقوط الرئيس السوري بشار الأسد. قد يؤدي سقوطه إلى نشوء انتفاضة في لبنان حيث يسيطر «حزب الله» (حليف سوريا) على الوضع، وفي فلسطين حيث تدين حركة «حماس» بسلطتها في غزة إلى الدعم السوري، وفي العراق حيث يمكن أن يشكل سقوط النظام في سوريا عاملاً لزعزعة الوضع هناك.
لكن قد تكون إيران، حليفة سوريا غير العربية، أكثر جهة ستتأثر بنجاح الثورة السورية، فسيكون سقوط الأسد بمنزلة لطمة موجعة في وجه طموحات النظام الإيراني في المنطقة، وقد يشجع هذا الوضع إسرائيل على استغلال الفرصة لتوجيه ضربة ضد خصمها الإيراني الأساسي.
مسؤول كبير في الجيش الأمريكي قال إنه كان يستيقظ كل يوم وهو يشعر بالقلق من أن تهاجم إسرائيل المنشآت النووية المشبوهة في إيران، وأكد أن الولايات المتحدة كانت تتحاور مع تل أبيب يوميا لإقناعها بعدم الحاجة إلى تنفيذ اعتداء مماثل، لكن ستتزايد الضغوط حتماً في عام ٢٠١٢ للتحرك بهدف معالجة الملف الإيراني، وقد يصبح هذا الملف مرتبطاً بالانتخابات الأمريكية.
الوضع المالي
على الصعيد المالي الوضع لن يكون افضل. في أوروبا، سيتذكر الجميع عام ٢٠١١ بأنه العام الذي أصبح فيه حلم اليورو كابوسا مزعجا، بعد أن عجزت اليونان عن الوفاء بديونها، وبعد أن خسرت دول أخرى منها إيطاليا قادتها تزامنا مع تراجع تصنيفها الائتماني وانتشار الذعر في الأوساط المالية.
قد يشهد عام ٢٠١٢ أحداثاً أسوأ بعد لأن أعضاء الاتحاد الأوروبي، باستثناء بريطانيا، الذين وافقوا على وضع ميثاق جديد لتنظيم ميزانيات الحكومات وديونها سيختلفون على التفاصيل، ويمكن تجنب هذه النتيجة لكن قد يحصل ذلك بعد فوات الأوان. لا شك أن الأسواق ليست معجبة بجهود الإنقاذ التي بذلها الاتحاد الأوروبي حتى الآن، وقد تقع أنظمة اقتصادية بارزة مثل فرنسا ضحية الأزمة في المرحلة اللاحقة. إذا حصل ذلك، فسينهار المحور الفرنسي الألماني الشهير في اللحظة نفسها بسبب تراكم الضغوط، مما ينذر بنهاية منطقة اليورو ككل.
استحقاقات مرتقبة
سيكون عام ٢٠١٢ عاما مهما جدا بالنسبة إلى رئيس فنزويلا المريض هوغو تشافيز، إذ من المنتظر أن يترشح إلى ولاية جديدة. سيحصل الأمر نفسه مع الرئيس الزيمبابوي الكبير في السن روبرت موغابي الذي قد يجري انتخابات مبكرة في زيمبابوي، ما ينذر بحصول سيناريو مألوف يقوم على عوامل التزوير والعنف والترهيب.
وسيؤدي تغير قيادة فنزويلا إلى تداعيات كبيرة على حليفتها الصغرى، أي كوبا الشيوعية برئاسة راؤول كاسترو. الجدير ذكره ان كوبا ستستضيف بابا روما في أحد أغرب أحداث هذه السنة المرتقبة، وقد يكون مشهد اجتماع فيدل كاسترو والبابا بينيديكت عرضاً مثيراً للاهتمام فعلاً.
أما بالنسبة إلى أبرز شأن بيئي في هذه السنة اي التغير المناخي، فأفضل ما يمكن قوله هو أن المناخ سيتابع تغيراته من دون أن تعوقه جهود التفاوض الدولية التي لاتزال ضعيفة وعقيما حتى الآن. ورغم كل القمم والمنتديات وحلقات النقاش البيئية المقرر عقدها في العام الحالي لتحسين وضع البيئة واقامة حد للملوثات التي تدفع بكوكب الارض الى المزيد من التلوث، فإن النتيجة معروفة سلفاً وهي ان الدول الصناعية النامية والمتطورة لن تضحي بنموها الاقتصادي والصناعي من اجل البيئة ولاسيما في هذه الفترة القاحلة.
.