أفق
طريقان نحو الحداثة العربية الإسلامية
تاريخ النشر : الثلاثاء ١٠ يناير ٢٠١٢
عبدالله خليفة
هما طريقان لا ثالث لهما للوصول إلى الحداثة العربية الإسلامية، أي لتشكيل أنظمة ديمقراطية.
الصيغة الراهنة البشرية للديمقراطية هي الرأسمالية الغربية، التي شقت الأرض لهذه التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية، وظهر طريقان لهذا التحول:
الطريق الفرنسي والطريق البروسي الألماني.
الطريق الفرنسي هو طريق الثورة الديمقراطية لإزالة الإقطاع الذي تجسد في مؤسسة الكنيسة الجامدة ووراءها التحكم في الأرض، وفيها الإقطاع المنزلي ضئيل قياساً لعالم المسلمين.
الثورة الفرنسية أُقيمتْ على أشكال ديمقراطية رغم فترة الإرهاب السوداء في البداية، وكانت حروب نابليون رد فعل على تدخل القوى المضادة للثورة. هذا الشكل من الثورة الديمقراطية جسدته الثورات العربية الأخيرة، لكننا لانزال في أوله المفتوح لاحتمالات عدة، ولا نستطيع أن نقرأ التعقيدات المستقبلية وإذا ما كانت العمليات الديمقراطية سوف تستمر أم تظهر دكتاتوريات جديدة.
لكن الطريق الفرنسي هو الذي اتبعته الدول الأخرى وحرثت أرضها من الأعشاب الماضوية المحافظة المعيقة للعمليات الاقتصادية الحرة وساد هذا الطريق في العالم وناوأه الخط البروسي الألماني، الذي اندمج رغم تضاداته مع التجربة الروسية ثم التجارب العربية القومية والتجربة الإيرانية مؤخراً.
وإذا تجاوزت الدول العربية الإسلامية التعقيدات الشمولية في المذاهب وجذور شمولياتها في التحكم بالأرض والنساء والعقول، وجسدت هذا الطريق فإن العسكرية والشمولية العنفية وتغيير التخلف والمحافظة بأشكال ديمقراطية سيُستبعد.
أما الطريق البروسي الألماني فهو الطريق العسكري الشمولي لتشكيل الحداثة والرأسمالية، وهو الطريق الذي قاد لأشكالٍ دكتاتورية متعددة خاصة في ألمانيا نفسها وإيطاليا واليابان. وهذا الطريق يعتمد على فرض التطور الاقتصادي الرأسمالي بقوة الجيش وآلة الدولة والنزاع مع الدول الأخرى وتكوين إمبراطورية وفتح الأسواق بالقوة الحربية وفكرياً على رفض الطريق الرأسمالي الديمقراطي والقفز عليه بأشكالٍ اشتراكية أو قومية أو دينية مؤدلجة، فيظهر خليطٌ من الآراء المشوشة والسحرية والعدوانية والطائفية.
فلم تكن الخيارات(الاشتراكية) بعيدة عن هذا الطريق البروسي العسكري، رغم توسيعها لنهضات غير مسبوقة بشرياً، إلا أن البسماركية طريق الحديد والنار ظهرت من خلال تعملق الجيش والمخابرات في حكم الدول، وهو ما أدى في النهاية إلى خسائر جسيمة، وتعمم هذا النموذج ليشكل قحطاً في دول شرقية وأحزاب شرقية كثيرة.
لأن العسكرة والتخطيط والانجاز البيروقراطي هي كلها ترتد في نهايات الدول إلى اضطرابات وتفتت بخلاف الدول التي سلكتْ النموذج الفرنسي كالهند، التي حولت تخلفها وتمزقها إلى توحد ونمو هائل.
إنه نموذج بطيء تراكمي ولكنه ينتج في الحصيلة تحولات أكثر تماسكاً وقابلية للتطور.
إن الدول التي عادت الآن للطريق الفرنسي لاتزال مضطربة وأشكالها الديمقراطية هشة أو كارتونية، لأن الديمقراطية بناءٌ تراكمي طويل منتج متعاضد في السوق والدولة والعلاقات الاجتماعية والثقافة. إن هذه التجارب في السابق ومن خلال الطريق البروسي الألماني أو الروسي، خسرت الكثير من البشر والإمكانات الاقتصادية، وهي الآن تخسر كذلك في التجريب والمماطلات والفساد والتلاعب بالثروات العامة والتجارة بالسلاح.
لقد سار العديد من دولنا العربية والإسلامية على الطريق البروسي - الروسي، وأعطت أمثلة كارثية في العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان. ولكن هل الدول الأخرى اتعظت ودرست تجاربها للتغيير؟
إنها لاتزال بين بين، فثمة هيمناتٌ حكومية على الأموال العامة والشركات العامة بأشكال ديمقراطية مموهة، والمواقع الاقتصادية الاجتماعية مثل ملكيات الأراضي الزراعية والعامة وتحرر النساء وربط الثقافة العامة بالثورة الصناعية العلمية، لا تخضع للتداول الديمقراطي التحولي، ولا تُوضع الخطط الوطنية عبر البرلمانات المنتخبة من أجل توجيه الرأسمال الوطني الكلي للتغيير التحولي الشامل الموظف لمصلحة السكان.
هذا ما يُنتج أشكالاً جديدة من البروسية الألمانية حيث تتفاقم الميزانيات العسكرية، وعسكرة المجتمعات، وتتغلغل هذه الجوانب حتى في بعض المجتمعات الغربية. وفي أوضاع العرب والمسلمين فإن التعصب الديني والهياج القومي هما شكلان لتلك العسكرة وتغيب عبر أشكال من الأساطير وجر العامة للحروب والصراعات الداخلية الحادة.
إن العودة للجذور وتكوين الأمم لطرقها القومية المميزة يتعارض مع الأشكال الشمولية والتسلح الخطر، حيث توجد هذه حمامات الدم بين الشعوب.