قضايا و آراء
النائب الحقيقي.. وجدان الشعب في الملمات المفصلية
تاريخ النشر : الثلاثاء ١٠ يناير ٢٠١٢
إن النائب الحقيقي، هو الممثل الحقيقي للشعب تحت قبة البرلمان.. فهو الذي يدافع بقوة عن حقوق الشعب، وهو الذي يصون بأمانة كرامة الشعب.. لأن هذا النائب الحقيقي هو الذي يمتلك (مواصفات ومعايير) ممثل الشعب التي ينشدها الشعب، والتي تدفع بصاحبها إلى أن يتجشم عناء مسئولياته الوطنية الكبرى، بكل مقدرة واستحقاق، ويتحمل مهماته الشعبية والمجتمعية المنوطة بأعناقه وكواهله بكل جدارة وكفاءة.. لطالما تظل مكانة هذا النائب بمستوى رسالته النيابية والتشريعية إزاء التشريع وسنّ القوانين ومساءلة السلطة التنفيذية.. ولكون هذا النائب قد تجرد من شوائب المصالح الذاتية والنفعية بتجاوزه حدود الذات بيقظة الضمير الإنساني، والتضحية بالذات بارتقاء الوجدان الجمعي، ونكران الذات برسوخ الموقف الوطني وتوطيد البعد الأخلاقي.. ذلك كله في سبيل حقوق الناخبين والمواطنين الذين أوصلوا هذا النائب إلى قبة البرلمان، من أجل تحقيق أحلام وطموحات الشعب الذي صان هذا النائب في عقله ووجدانه.
إن طرح هذه المقدمة الموجزة هو رغبتنا التطرق إلى الموضوع المهم الذي نشر بجريدة «أخبار الخليج» الغراء في صفحتها الأولى بتاريخ 20 ديسمبر 2011 والمعنون بـ «عريضة نيابية تطالب بامتيازات مالية جديدة للنواب».. وما تمخض عن جوهر هذا الموضوع بالقول: «إن نواباً من كتلتين نيابيتين قد أعدوا ووقعوا مؤخراً عريضة تطالب بامتيازات مالية جديدة للنواب وهم الذين وصلت مكافآتهم اعتباراً من أكتوبر إلى (4750) دينارا» بحسب ما جاء في الخبر المنشور في جريدة أخبار الخليج.
وعلى الصعيد ذاته يمكن القول إن هؤلاء النواب النفعيين والوصوليين بمساعيهم الانتهازية ومصالحهم الذاتية، قد أثاروا استياء الناخبين جميعاً.. حسبما كشف هؤلاء النواب عن أنهم ليسوا أهلاً لصون أمانة المواطنين، وليسوا أكفاء لحمل رسالة الشعب.
إنه من الأهمية بمكان القول إنه حسبما سقط هؤلاء النواب النفعيون في وحل المآرب الشخصية والأغراض الانتهازية.. فإن ثمة نوابا آخرين بالمقابل تحت قبة البرلمان، قد ارتقوا برسالتهم الوطنية والنيابية، وتألقوا بمبادئهم القيمية والأخلاقية.. فصانوا كرامتهم الإنسانية، في قلوب ناخبيهم، وحافظوا على سمعتهم في وجدان الشعب.. حينما رفضوا بشدة توقيع هذه العريضة النيابية التي حملت ما بين سطورها نفس الانتهازية البغيضة.
إن ما يبعث على الفخر بهذا الصدد أن نستشهد بما جاء على ألسنة هؤلاء النواب الوطنيين الشرفاء، من تصريحات هي بالغة الشجاعة، معارضة وشاجبة لمضامين تلك العريضة النيابية الانتهازية.. والدخيلة على (البرلمان وممثلي الشعب)، حسبما أكد النائب (خميس الرميحي) بذات السياق قائلا: «إنه تم عرض هذه العريضة عليه وطلب توقيعه عليها، إلا انه رفض ذلك بشدة».. واصفاً ذلك بـ «التحرك المخزي وغير المقبول».. فإن النائب (حسن الدوسري) كشف جوهر الحقيقة الخالصة بالقول: «إنه رفع خطاباً إلى مكتب مجلس النواب عبر خلاله عن رفضه مناقشة أي موضوع يتضمن المطالبة بمزايا مالية للنواب، لأن النواب جاءوا إلى المجلس النيابي لخدمة المواطنين لا أنفسهم».. مسترسلاً «انه عُرضت عليه العريضة لتوقيعها ولكنه رفض ذلك في الحال»، ناهيك عن تصريح رئيس كتلة المستقلين البرلمانية النائب (عثمان شريف) قائلا: «إنه إذا كانت هناك تحركات للحصول على امتيازات مالية جديدة للنواب فإنها تظل تحركات نواب بصفتهم الشخصية ولا تمثل الكتل النيابية التي ينتمون إليها». وكذلك تصريح النائب (عدنان المالكي) قائلا: «إن هذه العريضة تنم عن أنانية مفرطة.. كان حريا بأولئك النواب أن يرفعوا عريضة للمطالبة بالإسراع في حلحلة الملفات المعيشية وزيادة رواتب موظفي القطاعين العام والخاص والمتقاعدين».
في نهاية المطاف وعلى ذات الصعيد يمكن القول: إن التواقيع على هذه العريضة النيابية الموبوءة قد كشفت عن جوهر (نواب) جسّدوا تلك الصورة النمطية للاستئثار بالمغانم والمآرب، والسعي إلى تحقيق الثراء الفاحش، ورفع الأرصدة المصرفية، وإلى انتفاخ الجيوب.. وحسبما داس هؤلاء النواب الانتهازيون على وعودهم وعهودهم التي أكدوها أمام ناخبيهم.. فإنهم خدعوا الشعب بأساليبهم الديماغوجية والتسويغية.. ولكن لا تلبث هذه الأساليب أن تبوء بالفشل أمام هذا الشعب (شعب البحرين العظيم) الذي يزداد وعيا اجتماعيا، ونضجا سياسيا وانتخابيا، مع كل دورة نيابية من الفصول التشريعية المتعاقبة، وحسبما صقلته التجارب الوطنية عبر عقود من الزمان.. فإنه يؤمن بأن النائب الحقيقي يجسد وجدان الشعب في الملمات المفصلية.