من ذاكرة السينما
آخر الرجال المحترمين ( 2 )
تاريخ النشر : الثلاثاء ١٠ يناير ٢٠١٢
حسن الحداد
يقدم لنا فيلم (آخر الرجال المحترمين) نماذج من الطبقات الدنيا لمجتمع المدينة من النشالين وجامعي القمامة وعصابات خطف الأطفال، التي حرصت السينما المصرية في أحيان كثيرة على إخفائها عن عيون المتفرج الذي لم يعايشها في الواقع فيصدم بها، وعن عيون المتفرج الذي تشكل كل كيانه الاجتماعي والاقتصادي فيفر منها، باعتباره ذاهبا للسينما ليشاهد واقعاً جديداً عليه، مليئاً بوسائل البذخ والثراء ليعيش أحلامه التي تملأ مخيلته، ويتمنى أن يعيشها، وبذلك يخرج من دار السينما وهو في نشوة هذه الأحلام.
ثم أن وحيد حامد لم يتناول الجوانب السيئة من حياة هذه الفئات الفقيرة فحسب، بل على العكس من ذلك، حيث أضاء بعض الجوانب الإنسانية من حياتهم، خصوصا أنه قد جعل لهم دوراً مهماً في العثور على الطفلة. وتعرض الفيلم أيضا لنقد السلوكات البسيطة والمدمرة في الوقت نفسه للإنسان المصري. فهناك ظاهرة الثأر التي اختفت منذ سنوات من السينما المصرية، بالرغم من أنها لم تختف من الواقع المصري، حيث تتفشى بشكل كبير في الصعيد لانتشار الأمية هناك. ولأن وحيد حامد كاتب مقتدر، فقد نجح في تقديم هذا ببراعة واختصار شديد للتنبيه فقط لخطورة الثأر. وقد ابتعد عن التناول التقليدي لمثل هذه المواقف، وذلك عندما أوقف تصاعد الموقف فجأة بكشف فرجاني للحقيقة، فأضاع بذلك على المخرج التقليدي فرصة ملء الفيلم بالمعارك والمطاردات، فالمهم هنا هو الحد الأدنى من الصدق الفني، وليس استغلال الموقف حتى لو تعارض ذلك أحيانا مع بناء الفيلم الدرامي. كذلك ادخل السيناريست ما تصوره بعدا إنسانيا على الفيلم، عندما قدم لنا شخصية ثريا (بوسي) الأم المريضة نفسيا من جراء فقد ابنتها، التي تقوم بخطف البنت وتتصور أنها ابنتها. ومن الطبيعي أن تحتاج المجرمة هنا إلى طبيب نفسي وليس إلى الشرطة، حيث كشف لنا الأستاذ فرجاني ذلك في نهاية الفيلم.
لقد اكتملت للفيلم أهم العناصر الفنية ليظهر بالمستوى الجيد هذا، فالتمثيل لا تشوبه أي شائبة، خصوصاً نور الشريف الذي ابرز قدراته الأدائية لإعطاء هذه الشخصية نصيبها من النجاح. أما مدير التصوير محمود عبدالسميع فقد اكسب الفيلم الكثير من التشويق وحيوية شديدة، فاستحق جائزة تقديرية من لجنة التحكيم في مهرجان الإسكندرية السينمائي عام 4891.
يبقى أن نتحدث عن مخرج الفيلم سمير سيف، الذي قدم للسينما المصرية عدداً من الأفلام الجيدة، مثل: الغول، شوارع من نار، المطارد. وهو بفيلم (آخر الرجال المحترمين) قد أضاف إلى رصيده الفني عملاً جيداً يستحق التقدير، ويعتبر هذا الفيلم هو رابع تعاون فني بين نور الشريف كمنتج وممثل وبين سمير سيف كمخرج.