شرق و غرب
أي دور للإخوان المسلمين في مصر ما بعد الانتخابات؟
تاريخ النشر : الثلاثاء ١٠ يناير ٢٠١٢
لقد حصلت جماعة الإخوان المسلمين ؟ التي كانت طويلا محظورة في السابق ؟ على أكثر من 40% من الأصوات في أول انتخابات تشهدها مصر منذ تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن السلطة يوم 11 فبراير .2011 ينتظر أن تصبح جماعة الإخوان المسلمين أيضا اللاعب السياسي الأساسي على الساحة المصرية التي طالما سيطر عليها الحزب الوطني الحاكم سابقا الذي تم حله بأمر قضائي.
يخطئ من يعتقد أنه قادر على أن يتوقع ما قد تفعله جماعة الإخوان المسلمين بهذه القوة السياسية الجديدة التي اكتسبتها والتي بوأتها مرتبة الصدارة، علما بأنها كانت إلى حد كبير تركز في المسائل الدينية والعمل الخيري والاجتماعي. لا أحد يعرف ذلك، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين نفسها.
إن كل ما نعرفه حتى الآن أن القيم التقليدية المحافظة التي تتبناها حركة الإخوان المسلمين لا تتناغم مع التفكير السائد في مصر. فهناك الكثير من المصريين الذين لا يسعدون بصعود جماعة الإخوان المسلمين على الساحة السياسية، كما أن قلة فقط تقبل بالشعار الذي ظلت ترفعه وتأبى التخلي عنه: «الإسلام هو الحل».
لقد حصلت الأحزاب الإسلامية ؟ الإخوانية منها والسلفية والوسطيون ؟ على أكثر من ثلثي الأصوات الانتخابية وهو ما يمثل مؤشرا على عدم اهتمام المصريين بالدولة العلمانية.
لقد اعتبر الكثير من الخبراء والمحللين السياسيين أن حصول جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي الأكثر راديكالية على نسبة 65% من الأصوات في الجولة الأولى من أول انتخابات تشهدها مصر منذ سقوط نظام الرئيس حسني مبارك لا يشكل اي مفاجأة، فقد عملت الأنظمة العسكرية الحاكمة في العالم العربي على مدى أكثر من خمسين سنة على تدمير الأحزاب السياسية العلمانية المستقلة.
لقد كتب توماس فريدمان على سبيل المثل يقول في مقال مطول نشر في صحيفة نيويورك تايمز:
«لا ندري إذا ما كان هذا الفوز الانتخابي اللافت الذي حققه الإخوان والسلفيون يمثل نهاية للثورة المصرية من أجل الديمقراطية أم أنه يمثل مجرد مرحلة من مراحل الثورة أم أنه يشكل تعبيرا سياسيا دينيا حتميا سيتعايش مع الأجندتين العسكرية والعلمانية في مصر. هذا ما قد نعرفه في مستقبل قريب».
عمر دراج هو الأمين العام لفرع حزب الحرية والعدالة (الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين) في الجيزة وهو يفهم هذه الحقيقة جيدا، غير أنه يريد من باقي المصريين ومن الأطراف الخارجية - التي تراقب الشأن المصري بكثير من الاهتمام والترقب والقلق ؟ أن يعرفوا أن الدولة العلمانية غير ضرورية لنشر القيم الليبرالية مثل حرية المرأة وتكريس المساواة بين الجنسين.
عندما زرت عمر دراج في الآونة الأخيرة في مقر سكنه في الدقي ؟ وهو حي مأهول بأبناء الطبقة الوسطى في القاهرة ؟ أطلعني على صورة كبيرة يظهر فيها بصحبة بناته الثلاث. لقد أخبرني أن كل واحدة من بناته الثلاث متخرجة في الجامعة وتحمل شهادة علمية وهي تعمل بدوام كامل جنب إلى جنب مع الرجل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى زوجته علما أنهن يلبسن جميعا الحجاب.
يرى عمر دراج أنه يتعين على المرأة أن تتوقف عن العمل مدة أربع إلى خمس سنوات على أقل تقدير من أجل تربية الأطفال معتبرا ذلك رسالتها الأساسية النبيلة على الأرض.
لم أقتنع بكلامه لكن أقر بأن الكثير من هذه الأفكار التي عبر عنها عمر دراج في حواري معه تتردد أصداؤها في الشارع المصري أيضا وتعكس ما أسمعه يتردد على ألسنة أغلب المصريين.
لقد سعى عمر دراج إلى طمأنة الجميع بخصوص مستقبل الحرية الدينية والفكرية في مصر حيث قال:
«إن موقفنا واضح من هذه المسألة، فنحن نؤكد حرية الدين والفكر والمعتقد. لا يمكن أن نجبر أيا كان على أن يفعل شيئا ضد رغبته. هذا مبدأ أصيل في الدين الإسلامي».
أثرت مع عمر دراج مسألة حساسة تتعلق ببطاقة الهوية المصرية التي يذكر فيها إذا ما كان حاملها من المصريين مسلما أو قبطيا أو يهوديا علما أن أقلية البهائيين يتم تهميشهم من هذه المعادلة.
أجاب عمر دراج بالقول انه يمكن للبهائيين أن يفعلوا ما يشاءون داخل مصر غير أن الإسلام لا يعترف بهم كدين علما أن الدين الاسلامي يشكل دعامة الدولة المصرية. هذا الرأي تتفق معه الأغلبية الساحقة من المصريين.
أقر عمر دراج أن حزب الحرية والعدالة لايزال يبني تصورا للدور الذي يتعين عليه أن يلعبه كحزب بارز في المشهد السياسي في مصر ما بعد حسني مبارك. لاتزال المواقف والتصريحات المتناقضة تصدر عن شخصيات قيادية بارزة في حزب الحرية والعدالة وهي تصريحات تتصدر الصحف المحلية التي تثير أسئلة كثيرة حول مستقبل الصناعة السياحية وما تتطلبه من حريات في ظل حكومة يقودها حزب الحرية والتنمية، الذراع السياسية القوية لحركة الإخوان المسلمين.
أما فيما يتعلق بوسائل الإعلام فإن عمر دراج يعتبر أن هناك عملية تشويه لحزب الحرية والعدالة وحركة الإخوان المسلمين بصفة عامة. تعتبر وسائل الإعلام أن حزب الحرية والعدالة يكرس أجندة حركة الإخوان المسلمين: استغلال فرصة تصدر المشهد السياسي الجديد من أجل العمل على أسلمة المجتمع والدولة المصريين.
هناك من الأسباب ما يبرر بعض المخاوف التي تساور بعض المصريين من الخطاب الذي يعتمده قادة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، فقد نزل الإخوان بكل ثقلهم من أجل ترويج أفكارهم والقيم التي يتبنونها في المنظمات المهنية والكليات والجامعات والمدارس الخاصة والجمعيات والمنظمات الخيرية. قد يسيطر الإسلاميون مستقبلا عند تشكيلهم الحكومة على الوزارات الخدمية المهمة مثل الإسكان والتعليم والصحة والاتصالات. أما وزارة الخارجية فإنها تشكل صداعا حقيقيا لهم إذ لا أحد يريد أن يجازف بخسارة مئات الملايين من الدولارات في شكل مساعدات سنوية تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية لمصر، إذ سيتعين على الإخوان المسلمين في تلك الحالة أن يبينوا موقفهم المبدئي للرأي العام من اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل التي لا تحظى بأي شعبية في الشارع المصري.
يرى عمر دراج أن الوقت حان من أجل تحقيق الأهداف الأساسية التي تضعها حركة الإخوان المسلمين نصب أعينها والمتمثلة أساسا في العمل على تحسين ظروف عيش المصريين وتكريس القيم الدينية الأصيلة في المناهج التعليمية والتلفزيونية، وهي مسائل مهمة وحساسة من شأنها أن تؤثر في أسس نسيج المجتمع المصري.
الجامعة العربية والبحث عن الدور المفقود