الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير


المصالحة الوطنية: متى وكيف ومع مَـن؟

تاريخ النشر : الأربعاء ١١ يناير ٢٠١٢

فوزية رشيد



{ منذ احتواء أزمة فبراير ومارس، وأثناء فترة السلامة الوطنية حتى اللحظة، تعلو بين فترة واخرى صيحة المطالبة بالمصالحة الوطنية، وسنعتبرها من جانبنا أنها صيحات تنشد المصلحة العامة، ولذلك سنطرح اسئلة مشروعة على القائمين عليها، من المهم ان تتم الاجابة عنها حتى تأخذ تلك الصيحات شكلها الموضوعي ومصداقية التوجه فيها، وأنها لا تقفز على المصلحة الوطنية الحقيقية في هذه المرحلة تحديدا، التي يجب ان تضع كل الاطراف معاً في مواجهة مسئوليتها، ولا تأخذ شكلا عاطفيا او غير منطقي بتوجيه النداء لطرف من دون طرف آخر، فيتم من خلاله تجاهل الجهة الحقيقية التي تسببت في الشروخ وفي الانقسام وفي الاصطفاف، او ضرب الوحدة الوطنية، بل تواصل حتى اللحظة ذات الخطاب التحريضي في ضرب تلك المصلحة الوطنية، بالاستمرار على التحريض على العنف والتخريب، وتكريسهما على ارض الواقع (تحت عناوين سياسية ومطلبية واصلاحية وديمقراطية)، نراها خادعة تماما حسب نتائجها على النسيج الاجتماعي، والمطلوب مواجهتها من كل الاطراف أولا قبل ان يصبح موضوع (المصالحة الوطنية) أمرا قابلا للتنفيذ، وعلى خلفية تحمل اي طرف مخطئ أو مسيء مسئوليته الفعلية تجاه هذا الوطن وهذا الشعب، وتجاه اعادة اللحمة الوطنية التي تم ضربها بقوة في لحظة غدر وخديعة منذ ازمة الدوّار.
{ كل مخلص في هذا الوطن ينشد حتما وبشكل طبيعي الوحدة الوطنية، وينشد السلم الاهلي، وينشد الوئام المجتمعي، هذا على مستوى الشعور والطموح، ولكن كل ذلك يبقى في اطار الامنيات مادام هناك طرف مجتمعي أو فئة مجتمعية، تعمل بكل ما تملك من قوة ودعم على ضرب اسس تلك المصالح، وبالتالي على ضرب اسس المصالحة الوطنية رغم تعرض مكونات المجتمع للكثير من الصدمات والابتلاءات التي تتسبب فيها تلك الفئة.
{ المصالحة الوطنية من المفترض ان تقوم مبدئيا على اساس رفض كل الاطراف الوطنية للإرهاب والعنف، وتأكيد الثوابت الوطنية سلوكا وكلاما، واجتماع المكونات كافة، بشكل واضح على اتخاذ موقف حاسم من المتسببين في تخريب المجتمع واواصر لحمته، وحيث الرسالة الاهم هي تلك التي يتم توجيهها لعناصر التحريض والتطرف والارهاب، فمادامت تلك العناصر مستمرة في غيها وفي التسبب في التأزيم المفتعل والمتواصل تحت مسمى المطالب السياسية، فان عملية المصالحة لن تتم لأن هناك وباختصار مكونات تمثل غالبية هذا الشعب ترفض رؤى وسلوكات تلك الاطراف، وترفض ما تسببت فيه من أضرار بهذا الوطن الذي كان حتى وقت قصير مثالا للتعايش الاهلي وللسلم وللتعددية، وبالتالي فالمسألة هنا سياسية بالدرجة الاولى وان تم الباسها اللباس الطائفي، فلا مشكلة بين السُنة والشيعة وإنما المشكلة بين غالبية الشعب البحريني وتلك الفئة المتطرفة.
{ من المهم اولا ان نحدد اطراف الازمة والتأزيم في هذا المجتمع، فان كان احدها شباب 14 فبراير، او ائتلاف 14 فبراير، فعلينا ان نسأل من يقف وراء هؤلاء؟ من هم؟ من يمولهم؟ من يدعمهم ماديا وسياسيا ومعنويا؟ من يدربهم على اعمال العنف والتخريب بشكل منظم وممنهج؟ لماذا هم في الأساس من طائفة واحدة؟ ما دور الجمعيات السياسية وعلى رأسها «الوفاق» وما دور «المجلس العلمائي» وعلى رأسه الشيخ «عيسى قاسم» في دعم هؤلاء والتحريض على ما يحدث عمليا في الشارع وعلى ارض الواقع؟
علينا ان نسأل عن دور النشطاء والحقوقيين المرتبطين بتحريض ودعم عناصر التخريب، وارتباطاتهم الاقليمية والخارجية.
علينا ان نسأل لماذا حدث مثل ذلك الاصطفاف الطائفي اثناء الازمة؟
علينا ان نسأل لماذا لا يلتفت دعاة المصالحة الوطنية الى كل ذلك؟ ولا يلتفتون الى من يطالب بعدم تطبيق القانون، بل منهم من يعمل بالفعل على عدم تطبيقه على الجناة والمجرمين باسم المصالحة الوطنية؟
{ اذاً المصالحة الوطنية لا احد ضدها من حيث المبدأ، ولكن من اجل تحقيقها يجب وضع النقاط على الحروف، ويجب اتخاذ موقف وطني من كل الاطراف التي تريد المصالحة في حل اسباب الوضع التأزيمي الراهن، واتخاذ موقف من المحرضين والعاملين عليه، وان يتم اتخاذ موقف من جانب كل الاطراف ضد من يمارس العنف والارهاب في البحرين، واتخاذ موقف من الاجندات المرتبطة بالخارج اقليميا ودوليا التي تهدد الوطن كله وليس فقط التعايش الاهلي او السلم الاهلي، باختصار نريد خطابا وتوجها واضحين، علينا مواجهة الاكاذيب والمظلومية المفتعلة، والجهات المحرضة عليها والمروجة لها، وعلى رأس تلك الجهات «الوفاق» واتباعها ونشطاء الخارج و«المجلس العلمائي» واعضاؤه، والنشطاء والحقوقيون الذين يقلبون الوقائع والحقائق، ويسيئون الى وطنهم والى بقية مكونات الشعب الرافضة لأجنداتهم.
{ قبل تحقيق المصالحة الوطنية، علينا تحقيق (مفهوم المواطنة) بعد ان استشرت مفاهيم الطائفية والاصطفاف الطائفي كفعل من جهة ورد فعل من جهة اخرى، علينا ان نعالج الاسباب حتى نغير النتيجة، علينا ألا نخلط الاسباب بالنتائج او ان نضع العربة قبل الحصان، عالجوا الاسباب لتحصلوا على نتيجة مختلفة.
علينا ان نطرح مسألة (الثوابت الوطنية) باعتبارها خطا احمر، وان نوضح ان الاصلاح قضية الجميع: الدولة والشعب، وانها كمسألة بدأناها قبل 10 سنوات ولا نحتاج اليوم الى العنف والارهاب والمزايدات السياسية من اجل الاستمرار فيها وتطويرها.
علينا ان نراجع ما حصل منذ 14 فبراير الى اليوم، ومن مطلوب منه الاعتذار للشعب والاعتراف بالاخطاء بعد ان اعترفت الدولة وتعمل على التصحيح.
{ علينا ان نضع جميعا (الحالة العراقية) نصب اعيننا دائما، حتى ندافع عن وطننا بشكل حثيث، وحتى نحاصر من يعمل على استنساخ تلك الحالة لوطننا وشعبنا.
علينا ان نواجه تلك (الفئة) وعقليتها الديكتاتورية والاقصائية ورفعها شعار المظلومية المفتعلة، واستخدام الاطفال والنساء كمواد عنف يومية.
علينا ان نطالب الجميع باثبات الاستحقاقات الوطنية والعمل على الوحدة الوطنية سلوكا لا كلاما.
{ حينها وحينها فقط وقد وضعنا النقاط على الحروف لن نحتاج لتحقيق المصالحة الوطنية الى من يدعو اليها ويحاول فرضها فيما مسببات الجروح مستمرة، حينها المصالحة الوطنية ستتحقق تلقائيا، وستعود الامور الى طبيعتها بعد ان نكون قد عالجنا الاسباب، وحددنا الاطراف المتسببة في الشروخ والانقسام والاحقاد والضغائن، وواجهناها معا.
حينها ربما قد نعود لنكون الشعب البحريني الذي كُناه طوال مئات السنين، وحينها سنثق بأن من يعمل اليوم على المصالحة يهدف حقيقة الى المصالحة وليس الى التمويه، ولا الى اجبار طرف على مسامحة طرف آخر، فيما هذا الطرف الآخر مستمر كل لحظة في جرمه واخطائه وآثامه، ومطلوب من الآخرين أن يبنوا تسامحهم على ركام هذا الاستمرار في الخطأ.