الجريدة اليومية الأولى في البحرين


يوميات سياسية


المراقبون العرب .. المهمة انتهت

تاريخ النشر : الأربعاء ١١ يناير ٢٠١٢

السيد زهره



في الفترة القليلة الماضية، ثار جدل غريب حول المراقبين العرب في سوريا ودورهم ومهمتهم.
في خضم هذا الجدل، اتهم الكثيرون من داخل سوريا وخارجها بعثة المراقبين الذين أرسلتهم الجامعة العربية بالفشل الذريع في أداء مهمتها، وبالعجز عن حماية المدنيين ووقف القتل واسالة الدماء.
هذا كلام غريب الشأن لأن مهمة المراقبين ليس لها أي علاقة مباشرة بالحماية او وقف القتل واسالة الدماء.
كل مهمة المراقبين تنحصر كما هو معلوم في مجرد مراقبة الوضع للتأكد مما إذا كان النظام يلتزم بتنفيذ بنود المبادرة العربية التي وافق عليها، وخصوصا تلك البنود المتعلقة بسحب الجيش من المدن، واطلاق المعتقلين، ووقف عمليات القتل. هذا على امل انه ان تحقق هذا، فسوف تبدأ مرحلة أخرى من الحوار بين المعارضة والنظام.
وبصراحة كل ما كان مأمولا من إرسال المراقبين، ومن المبادرة العربية برمتها، هو ان يمثل هذا التحرك العربي عامل ضغط سياسيا ومعنويا على امل ان يقنع هذا النظام السوري بالتحرك جديا لانهاء عمليات القتل وان يبدأ بالفعل اتخاذ خطوات جادة لانهاء الازمة بالشكل الذي يقبل به الشعب السوري اولا قبل أي طرف آخر.
لكن الذي حدث كما هو معلوم ان هذا التحرك العربي لم يأت إجمالا بأي نتيجة ملموسة باستثناء مجرد موافقة النظام السوري على استقبال المراقبين.
لم يأت التحرك العربي بأي نتيجة بدليل انه لم يحدث أي تغير على الاطلاق في الأوضاع في سوريا. عمليات القتل مستمرة كما هي العادة بوجود المراقبين كما كان الحال في السابق، ولم تظهر في الأفق أي بادرة او مؤشر يدلل على ان الوضع يمكن ان يتغير او ان الأزمة يمكن ان تشهد انفراجا حقيقيا في أي أفق منظور.
وحين تعالت الأصوات في الأيام الماضية تطالب الجامعة العربية بسحب المراقبين بما يعني إعلان فشل مبادرتها ، فضل الوزراء العرب استمرار المراقبين في مهمتهم حتى نهاية المدة المحددة. وكان هذا قرارا صائبا. فرغم كل شيء، لا بد من استنفاد كل جهد عربي ممكن حتى لو كان الامل ضئيلا، فالبديل خطر كما يعلم الكل.
لكن الرئيس السوري بشار الأسد بالخطاب المطول الذي ألقاه أمس، شاء ان يضع حدا نهائيا لأي أمل يمكن ان يكون مازال معلقا على التحرك العربي وعلى دور الجامعة العربية.
الرئيس السوري ببساطة اعتبر ان كل ما يجري في سوريا ما هو الا مؤامرة ارهابية لا سبيل للتعامل معها الى « لضرب بيد من حديد».
إذا كان هذا هو تكييف الرئيس السوري للوضع في سوريا اليوم، فمعنى هذا ببساطة انه لا يقر أساسا بوجود انتفاضة أو حتى حركة شعبية في سوريا تطالب بإصلاح جذري او غير جذري، وانما يعتبر ان كل ما يجري في سوريا ما هو الا مظاهر لمؤامرة إرهابية.
ومعنى هذا، كما اعتبر الرئيس السوري صراحة ان الأولوية هي ما اسماه «الضرب بيد من حديد» ومن ثم، فإن الإصلاح الجذري أو التوصل الى توافق مع المعارضة عبر الجامعة العربية أو بأي سبيل آخر، ليس له أي أولوية على الاطلاق، وانه عموما ليس هناك أي شئ يدعو الى الاستعجال في الإصلاحات حتى يتم القضاء على «المؤامرة الارهابية».
وبالإضافة إلى هذا، شن الرئيس السوري هجوما عنيفا على الدول العربية، أو بعضها، واتهمها صراحة بالضلوع، بل وقيادة المؤامرة ضد سوريا ن وتحدث عن الجامعة ودورها باستخفاف شديد.
القضية هنا ليست ما هو صحيح وما هو خاطئ فيما قاله الرئيس السوري عن الأوضاع في بلاده.
المهم ان كلامه هذا لا معنى له في المحصلة النهائية سوى ان الوضع في سوريا باق على ما هو عليه من دون أي تغيير. بمعنى انه ليست هناك اية نية لا لوقف عمليات القتل، ولا للنظر في أي حل سياسي جذري يمكن ان يرضي الشعب السوري.
وعلى ضوء هذا، الحادث عمليا ان مهمة المراقبين العرب انتهت.
ليست مهمة المراقبين فقط هي التي انتهت، بل كل محاولات الجامعة العربية ومبادرتها.
الرئيس السوري وضع بوضوح حدا لهذه المهمة العربية برمتها.
لن يغير في الأمر شيء ان تعلن الجامعة فشل محاولتها ومهمتها اليوم، او ان تنتظر أسبوعين آخرين، موعد انتهاء مهمة المراقبين، كي تعلن ذلك.
هذا هو الوضع بوضوح شديد اليوم.
ولا يعني هذا ان على الجامعة العربية كما يطالب البعض بأن تحيل ملف سوريا الى مجلس الأمن او تطلب تدخلا أجنبيا في سوريا.
ليست هذه مهمة الجامعة ولا يجب لها ان تفعل ذلك.
الجامعة لا يجب ان تكون داعية الى تدخل عسكري أجنبي الكل يعلم ما يمكن ان يترتب عليه من كوارث.
يكفي الجامعة انها حاولت ان تنهي الأزمة، ولها ان تعلن فشل مهمتها وحسب.