الرصاصة الأخيرة في جعبة النظام السوري
تاريخ النشر : الخميس ١٢ يناير ٢٠١٢
تستمر الاضطرابات في سوريا على حالها بعد اشهر طويلة من اندلاعها، ومن الواضح ان لا حل قريب في الافق رغم ارتفاع عدد الضحايا المدنيين بشكل يومي. حتى الآن لم تتمكن بعثة المراقبة العربية من فعل الكثير، كما ان العقوبات التي اتخذتها جامعة الدول العربية بحق سوريا لم تجبر النظام على التراجع او الحوار، والنتيجة ان سوريا لاتزال تغلي على فوهة بركان.
وسط كل ما يجري، يرى بعض المقربين إلى النظام ان الرئيس بشار الاسد يدرس خياراته جيداً، وانه لا يريد المخاطرة بأن يكون مصير رموزه كمصير نظام العقيد الليبي معمر القذافي او الرئيس المصري حسني مبارك. الخيارات كلها قيد البحث، وفيما تحاول القيادة السورية ان تظهر بمظهر القوي وغير المتساهل الا انها في الخفاء تدرس احتمال حدوث سيناريوهات اخرى لا تصب في مصلحتها. من هنا فإن خيارات الاسد وانصاره تشمل بناء قلعة حصينة او النظر في خيارات الخروج السليم في حال إذا ما خرجت الاوضاع عن السيطرة.
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي عما يجري في كواليس النظام السوري:
حتى الآن، ليس هناك ما يبشر النظام السوري بأن الثوار سوف ينكفئون او يتراجعون عن مطالبهم. فرغم تزايد عدد القتلى والجرحى والضربات الصاروخية والقصف المدفعي للأحياء والمنازل ولاسيما في حمص وادلب، ورغم الخلافات البادية بين المجلس الوطني السوري الاعلى وبين معارضة الداخل لناحية الرؤى والخطط المستقبلية، فإن النظام السوري بدأ يستشعر بالخطر مهما حاول اظهار ملامح القوة والعزم.
سيناريوهات الخروج
هناك سيناريوهات عدة مطروحة في كواليس نظام الاسد، ففي حال اندلاع في سوريا حرب أهلية واسعة، حسبما يظهر من الكثير من المؤشرات الراهنة، فإن احد السيناريوهات المطروحة للهروب يشير الى ان الرئيس بشار الأسد وأبناء عائلته، والجنرالات الذين سيبقون على ولائهم له داخل الجيش، لن يظلوا في دمشق، ولكنهم سينتقلون إلى منطقة جبال العلويين، أو مثلما يطلق عليها «جبل أنصارية»، التي تقع شمال غربي سوريا قرب سواحل البحر المتوسط. ومن هذه المنطقة سوف تواصل عائلة الأسد والقيادة الاستخباراتية والعسكرية التابعة له إدارة حرب البقاء في وجه المتظاهرين والانصار.
وبحسب مصادر غربية مطلعة على المجريات السورية فإن المنطقة المذكورة ستكون خير ملاذ للأسد وستكون بمثابة حصنه الحصين، على امل منه في ألا تتحول الى سرت ثانية، وتجدر الاشارة هنا الى ان عرض سلسلة جبال العلويين التي تقع شرق اللاذقية يبلغ 32 كيلومترا، بينما تصل أعلى القمم ما بين 1200 إلى 1560 مترا عند أعلى القمم ارتفاعا وهي قمة (النبي يونس). وحين تقترب سلسلة الجبال أكثر نحو شمال سوريا، تصبح هذه الجبال أقل ارتفاعا، ما بين 600 إلى 900 متر.
وتقول المصادر العسكرية والاستخباراتية ان وحدات تابعة لسلاح الهندسة السورية تعمل حاليا على إقامة سلسلة من مقار القيادة في المناطق الشجرية في الأساس في تلك المنطقة، بالإضافة إلى معسكرات بعضها داخل كهوف أو في بنايات تحت الأرض، وتصنع عوائق وتحصينات مضادة للدبابات، وملاجئ، بالاضافة طبعاً الى مخازن ذخيرة، كما تحضر بكميات كبيرة وقود وطعام تحت الأرض، وبطاريات مضادة للطائرات. وحين تنتهي أعمال البناء، في نهاية شهر يناير على ما يبدو، سوف تتحول المنطقة لإحدى المناطق الأكثر تحصينا في الشرق الأوسط. وبالتالي ستضمن ان الاسد في حال إذا ما اضطر الى اللجوء اليها فسيكون بمأمن وقتا طويلا.
لعبة طائفية
كما تقول المصادر عينها إن أيادي خفية، يبدو أنها تعمل من داخل أجهزة الاستخبارات والأمن السورية، بدأت منذ منتصف شهر ديسمبر الفائت نقل مجموعات كبرى من العائلات العلوية، خاصة من تلك العائلات التي تقطن المدن المختلطة السورية الكبرى مثل حمص، اللاذقية حماة، وفي البلدات المتناثرة حول هذه المدن، إلى منازل جديدة في المناطق المحصنة الجديدة في جبال العلويين لحمايتهم، في مؤشر على احتمال اندلاع حرب اهلية يذكيها انصار النظام عبر التفريق بين ابناء الشعب الواحد.
اما بالنسبة للعائلات أو الأحياء والقرى التي لا يمكنها إخلاء أماكنها لأسباب مختلفة، فتقول المصادر انها سوف تنتقل إلى مناطق محصنة خاصة يقيمها سلاح الهندسة قرب مناطق سكنهم. وفي هذه المناطق أيضا يتم بناء مخازن سلاح، غذاء، مياه.
علما انه ليس بالامكان التحقق من مدى مصداقية هذه المعلومات المتداولة التي جرى تسريبها عبر مصادر غربية بسبب الحصار الخانق الذي يفرضه انصار الاسد في مختلف المدن السورية.
هدفان اساسيان
يشار إلى أن عدد العلويين في سوريا يبلغ قرابة 3,5 ملايين نسمة، يشكلون قرابة 10 إلى 12 في المائة من إجمالي السكان في سوريا البالغ عدهم 23 مليون نسمة، وان الاسد ينتمي وعائلته الى العلويين. وتشمل عمليات النقل والتحصين قرابة مليون علوي يمثلون قرابة ثلث إجمالي العلويين في سوريا. وبهذه الخطوة يريد أن يحقق الأسد والقيادة العلوية هدفين أساسيين:
أولا: تجهيز الطائفة العلوية تحسبا لاندلاع حرب أهلية شاملة في سوريا. وبالنسبة لزعماء العلويين، لا يوجد شك في أن المتمردين سيحاولون الانتقام من العلويين بسبب توليهم الحكم طوال 37 عاما وقمع اي نشاط او تحرك من قبل الآخرين.
ثانيا: تجميع معظم العلويين في جيوب محصنة سيضمن لبشار الأسد استمرار ولائهم له ولعائلته، وعدم وقوعهم تحت تأثير فئات اخرى من الشعب وعدم تعاطفهم مع سقوط الضحايا.
ولكن تعتبر تلك هي الأسباب التي بمقتضاها لا يبدي كل قادة القبائل والعائلات العلوية اليوم وفي الوضع الحالي استعدادا للمشاركة في الخطة الجديدة لإقامة «القلعة العلوية»، حيث سببّ الأمر منذ عشرة أشهر من التمرد السوري عمليات انشقاق في المعسكر العلوي، بحيث توجد قيادات علوية رافضة فكرة التقسيم بين ابناء الشعب السوري او نقل العلويين الى مناطق محصنة معزولة عن بقية الشعب السوري بانتماءاته المختلفة.
هناك على الأقل 12 رئيس قرية علوية في مناطق حمص وحماة اتصلوا برؤساء الثوار المحليين في مناطقهم، ومن بينهم جيش سوريا الحر وتوصلوا معهم إلى تسوية تنص على أنهم لن يسمحوا لشباب القرى بالالتحاق بالقوات العسكرية الخاصة التابعة لعائلة الأسد مقابل التزام المليشيات التابعة للمتمردين بالدفاع عن القرى العلوية وعدم استباحتها او التنكيل بأهلها بغية الانتقام من الاسد. كما أن حقيقة أن الأسد ورجاله لا يمتلكون القدرة على منع رؤساء القرى العلوية من الحصول على مظلة أمنية من المتمردين، تدل أكثر من أي شيء على طبيعة موقف عائلة الأسد اليوم في سوريا، وعلى انه الى تراجع وسط بروز مخاوف عدة ابرزها طول مدة الازمة وعدم قدرة نظام الاسد على القضاء على المعارضة رغم استخدامه كل الطرائق المتوافرة بين يديه وليس اقلها السلاح الحربي ومهاجمة المدن والاحياء السكنية، الامر الذي يدل على وجود تصميم غريب لدى المعارضين والثوار في سوريا على عدم التراجع وتحقيق ما يصبون اليه واضعين نصب اعينهم حقيقة ان دماء الذين سقطوا حتى الآن وقد تجاوز عددهم الآلاف يجب الا تذهب هدرا.
حتى الآن لا مكان للخوف والتراجع في قلوب المعارضة السورية ولعل هذا هو السبب الرئيس الذي يدفع الاسد الى دراسة خيارات عدة لتأمين سلامته ودائرة المقربين إليه.