أفق
صناعةُ الزعامةِ في المرحلةِ الطائفية
تاريخ النشر : الجمعة ١٣ يناير ٢٠١٢
عبدالله خليفة
لم نجد هؤلاء الزعماء في المرحلة العربية السياسية الطائفية الراهنة ذوي إنتاج سياسي أو فكري، لم يكن لهم تاريخي تراكم في بناء معارضة سياسية أو فكر سياسي وطني راسخ خلال عقود، بل ظهروا فجأة أو بالارتكاز على قوى حكومية في الخارج أو في الداخل، ثم تحولوا إلى مادةٍ أخبارية يومية سواء بتأييدهم أو برفضهم وهذا سواء بالإعلان الدائم عن حضورهم، كأنهم نازلون من القدر أو السماء على البشر.
تجعلنا هذه الظاهرة نضع أيدينا على قلوبنا متخوفين من المستقبل أكثر من الحاضر السلبي الراهن أيضاً.
والأمر كما يقول الشاعر(كلما زيفوا بطلاً قلتُ قلبي على وطني).
فهم ليسوا أبطالاً في حروب أو ثورات، أو محققي منجزات، بل هم صناعة كلام.
وكما أن صناعةَ الأبطال والشخصيات المسيطرة في العالم العربي تستندُ إلى أجهزة الحكم المتجذرة في الهيمنة، فيبدو أن المعارضات الطائفية الصاعدة في الثورات أو الثورات المضادة تنتظر دورها في صناعةِ أنظمةٍ استبدادية حيث انها تقدم شخصياتها المسئولة بطرق فجة، عبر دعم جماعات أهلية أشبه بعصابات، تنتظرُ الغنائمَ والكراسي السياسية لكي تتحكم في الأموال العامة.
كأن يكون رئيس وزراء دولة غنية بمواردها من دون تاريخ فكري ثقافي، واشتغل في دكان بالمنفى، ولم تكن لديه قوى فكرية ومؤلفات سياسية تعكس استغراقه في هموم شعبه وتاريخه، بل هو رجل طفح على مجرى معارضات طائفية عامية ولديه قدرة على التحدث بعبارات قليلة وبلغة عربية فصيحة دقيقة، وفيما عدا ذلك لا يملك إمكانات، ودعْ عنكَ تاريخَ أسرتهِ العريق في الانتاج الديني أو السياسي، فهذا يتطلب منه أن يواصل كفاح الأسرة وعملها الفكري لا أن يعيشَ على سمعتها ثم يستغلّ الظروفَ ليقفز إلى الحكم.
هذا نموذجٌ واضحٌ وفاضح للانتهازية السائدة في صناعة الزعماء في مرحلةِ الفوضى والتدخلات الأجنبية والمزاد السياسي.
أو أن يكون هذا الزعيم جزءاً من النظام الذي استباح المال العام وسكتَ عن جرائمهِ طوال عقود ثم صار ثورياً قبيل تفجر الأحداث وبعد زمنٍ طويل من تفجر تضحيات بعض المحامين الذي قاوموا الشمولية طوال سنين، ثم ينحاز مثل هذا الزعيم العائش على خيرات النظام السابق وينضم إلى(الثوار) ويصير رئيساً للدولة.
ومن هنا يقودنا ذلك إلى كون التنظيمات الارتجالية أو المصنوعة في الخارج، التي لا تقوم على نضال شعبي ديمقراطي طوال سنين، تقومُ على أسسٍ واهية، وعلاقات هشة بالوعي السياسي الوطني، وهي عبارة عن تلاقي مجموعات ذات صلات اجتماعية واهية، غير مبدئية، غير متغلغلة في العلاقات السياسية الطبقية المتأسسة بشكل فكري سياسي عريق، وليست نتاج تراكم بل نتاج أزمات وكوارث.
إن هذه التنظيمات تغدو فقاقيع تكبر دائماً بالحرارة المصطنعة وفي زمنية الأزمات وعبر التصدير الخارجي أو الداخلي سواءً بسواء، ومن خلال المؤثرات المشكلة في أجهزة لا أحدَ يعلم كيف ترتبت أمورُها في النور أو في الظلام، أو في دوائر شعبية أم في أجهزة المخابرات الأجنبية، ثم تُحشد لها إمكانات هائلة ويغدو لها الناس طائعين خلال مدد وجيزة.
هذه الهشاشة في تكوين الزعماء في هذه المرحلة الحادة العاطفية الرجراجة خاصةً تدعونا إلى تأمل ماذا سيكون المستقبل عبر مثل هذه القيادات؟
يقال انها مرحلة ديمقراطية، لكنها مرتبة بأشكال دكتاتورية فجة، الدبابات يقودها مراهقون، والشوارع يتدفق فيها الشعب ثم تخضع (للبلطجية) أو العصابات السياسية، أو ما شئتَ من أسماء ظهرت فجأة معبرةً عن سيل من الحراك المنظم ومن الحراك الفوضوي، يختلط فيهما المناضلون والمجرمون معاً.
وفيما زعماء كبار مخلصون ينتظرون دورهم في الفوز بكراسٍ محدودة نادرة يقفز أولئك المصنوعون من المادة البلاستيكية المسيسية في الدوائر المجهولة إلى التهام معظم الكراسي البرلمانية ويُرفعون على الأكتاف ويقادون إلى السلطات.
تجد أن ثمة من يهندس كل هذه التغييرات، أو أن ثمة من يستفيد من الحراك الشعبي، ومن الغباء العامي، ويحرك دمى كثيرة للصفوف الأمامية، ويشحنها بالدماء المأخوذة من بنوك الدم السياسية المالية الملوثة، وعادة ما تكون أرواح هؤلاء الزعماء في قبضات تلك الأجهزة بسبب رشاو أو خدمات مالية كبيرة أو تسجيلات مرصودة عليهم أو فضائح مسجلة ضدهم .
الديمقراطيات هي صناعة شمولية كذلك، فقد تقطعت السبل بين الشعوب والممارسات السياسية الناضجة، وجُذبت من أكواخها وشققها البائسة ومزارعها المأزومة ومن مصانعها المتوقفة وسُيستْ وتفجرتْ بمعاناتها وكانت في حالات من الرفض الحقيقي والعناء الصادق، لكن مسألة الزعامات والقيادات ومن يمسك السلطات ليست من شؤونها، بل من يمتلك القدرات على التأثير والتوجيه، ومن يتمكن من تشكيل رأسماليات جديدة بمواصفات استغلالية مختلفة عن السابق بهذا الحد أو ذاك.