الجريدة اليومية الأولى في البحرين



لعبة شد الحبال مستمرة بين أوباما ونتنياهو

تاريخ النشر : الجمعة ١٣ يناير ٢٠١٢



في المدة الاخيرة، لوحظ ان العلاقات الامريكية الاسرائيلية تسير في طريق متعرج. البعض يعزو السبب الى سياسة الرئيس الامريكي باراك اوباما، الذي وان كان لم يخرج كثيرا عن سياسة اسلافه وطرائقهم في ادارة البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية، الا انه لم يتمكن من استبيان اي طريق واضح لتنظيم العلاقة مع تل ابيب او التوصل معها الى حل يرضي الطرفين.
بين لعبة الآمر والمأمور بدا ان واشنطون هي الحلقة الاضعف في هذه العلاقة بعدما كانت الاقوى سنوات، وكان واضحا ان اسرائيل هي التي تتحكم في مسار الامور.
«اورينت برس» اعدت التقرير التالي عن هذه العلاقة الملتبسة ومدى تغيراتها المتوقع في عام 2012:
يواجه الرئيس باراك أوباما مشكلة إسرائيلية، فبعد ثلاث سنوات تقريباً من دخوله الى البيت الابيض، لا يستطيع الرئيس حتى الآن تحديد إذا ما كان يريد الرضوخ لرئيس الوزراء الإسرائيلي أو الضغط عليه، ومع اقتراب موعد الانتخابات في عام 2012، سيصبح الخيار الأول إلزاميا، غير أن ضمان إعادة انتخاب الرئيس قد يجعل الخيار الثاني ممكناً أيضاً. ليستعد الجميع للمرحلة المقبلة.
بحسب مصادر امريكية مقربة إلى اللوبي الصهيوني فإنه «ما لم يجد أوباما وبنيامين نتنياهو طريقة للتعاون حول مشروع كبير يضمن تلميع صورتيهما معاً ويسمح لكل واحد منهما بالاستفادة من الآخر، فقد تسير العلاقة الأمريكية الإسرائيلية على طريق متعرج».
رؤية اوباما
ترتكز رؤية الرئيس الأمريكي عن إسرائيل على واقعين أساسيين: للواقع الأول طبيعة بنيوية وهو يرتبط بالطريقة التي ينظر فيها أوباما إلى العالم، أما الواقع الثاني، فهو ظرفي ويرتكز على نظرته إلى نتنياهو شخصيا وإلى السياسات الإسرائيلية. اتحد هذان الواقعان ليولدا مستوى عميقاً من التوتر الذي يوشك أن يتحول إلى غضب عارم.
على عكس الرئيسين السابقين بيل كلينتون وجورج بوش الابن، لا يحبذ أوباما فكرة كيان إسرائيل، فعلى الصعيد الفكري، هو يفهم ويدعم معسكر إسرائيل مجازياً حسبما روجت له الادارة الامريكية سنوات الا وهو انها دولة ديمقراطية صغيرة لها ماضٍ غامض وتواجه تهديدا وجوديا، ولكن هذا الموقف مجرد موقف ظاهري.
في المقابل تأثر كلينتون وبوش عاطفيا بالحكاية الإسرائيلية ورؤساء الحكومات الذين سردوا تلك الحكاية، فأصغى كلينتون إلى كلام رئيس الوزراء الاسرائيلي الراحل إسحاق رابين كما يصغي التلميذ إلى أستاذ لامع وقال البعض كما يصغي الابن إلى أبيه. وكتب الرئيس الأسبق في مذكراته: «لم يكن ممكناً الا ان أحبه ونادراً ما أُعجبتُ بشخص آخر بهذه الطريقة».
صحيح أن بوش كان يواجه مشاكل كثيرة مع أرييل شارون، إلا أنه كان يحب قصصه عن تاريخ «العهد القديم» وحكايات الحرب في التاريخ المعاصر، فكان بوش يتفاعل من كل قلبه كما فعل في قضايا كثيرة أخرى حين يتعلق الأمر بأمن إسرائيل، وفيما كان الرئيس بوش يحلق مع شارون فوق مساحات إسرائيل الضيقة، قال بتعجب: «لدينا في تكساس مداخل أوسع من هذه المساحات».
رأي مغاير
ترتكز وجهة نظر أوباما عن إسرائيل على تقييمه الشامل للصراع وكيفية حل المشاكل، فلم يعتمد أوباما حتماً على فيلم الهجرة الجماعية )sudoxE( لتكوين رأيه عن إسرائيل. كما أنه لا يشعر بالضعف مثل كلينتون أو بوش تجاه «الكتاب المقدس» الذي يعتمده المجمع المعمداني الجنوبي من جهة أو تجاه تعاليم الإنجيل الذي يعتبر إسرائيل الأرض المقدسة من جهة أخرى.
ترتكز آراء أوباما على معيار مختلف، وهو منطقه الخاص وبيئته الجامعية حيث طور نزعته الفكرية ومعاييره الأخلاقية الخاصة. وفق وجهة النظر هذه، لا يعتبر الصراع العربي الإسرائيلي نوعاً من الللاعَب الأخلاقية التي تضع قوى الخير في وجه قوى الشر، بل إنها حكاية أكثر تعقيداً ولا تتعلق بالأبطال والأشرار بل بصراع بين قضيتين.
إنه صراع حيوي بالنسبة إلى المصالح الأمريكية، وقد أصبحت تلك المصالح مهددة بسبب الانقسام القائم بين الأطراف التي تريد حلا وترغب في تحقيق تقدم جدي والأطراف التي لا تتعامل بجدية مع الوضع لإيجاد الحلول المناسبة وتخطي العوائق، وبعد ثلاث سنوات في الحكم، من الواضح أن الرئيس الأمريكي وضع الإسرائيليين في خانة الأطراف غير الجدية والفلسطينيين في خانة الأطراف الجدية.علاقة سيئة
تتعزز العلاقة السيئة بين أوباما ونتنياهو بفعل النزعة الشائعة إلى مقاربة وضع إسرائيل من الناحية التحليلية بدل الناحية العاطفية ورؤية الصراع من منظور المصلحة الوطنية بدل الاستناد إلى نواح اخرى. من المعروف أن أوباما غير معجب بنتنياهو، كما أنه لا يثق به وبآرائه ويعتبره رجلاً مخادعاً. لقد عمد رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى إثارة استياء أوباما وإحراجه وأعاق آماله في إيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، علماً أنه كان يسعى بكل حماسة إلى إيجاد الحل المنشود منذ وصوله إلى الحكم لكن من دون وضع استراتيجية فاعلة. ما زاد الوضع سوءاً هو أن نتنياهو تراجع عن خطة تجميد الاستيطان بعد زيارة أوباما مباشرة، فكان الوضع مهيناً جدا بالنسبة إلى الرئيس الأمريكي.
تجدر الإشارة إلى أن التوتر بين الرؤساء الأمريكيين ورؤساء الحكومات الإسرائيلية أمر شائع، وتحديداً بين الرؤساء الديمقراطيين ورؤساء الوزراء المنتمين إلى حزب الليكود، وان ثمة أمرين يمكن أن يحسنا الوضع، لكن بشكل مؤقت فقط: يتعلق الأمر الأول بمشروع مشترك يرتبط في العادة بعقد السلام بين العرب والإسرائيليين، حيث يستفيد الطرفان من الوضع ويظهران بصورة إيجابية. تتعدد الأمثلة على ذلك، منها معاهدة السلام التي أعدت مع مصر برعاية جيمي كارتر ومناحيم بيجن، ومؤتمر مدريد للسلام برعاية جورج بوش الأب وإسحاق شامير، وحملة «الحرب على الإرهاب» بين شارون وبوش الابن.
أما الصيغة الثانية، فهي لا تحسن المشكلة بل تلغيها من أصلها، فيتعلق الأمر بالهزيمة السياسية التي تطاول أحد الطرفين وبظهور شخصيات جديدة يمكن أن تنشئ علاقة ثنائية فاعلة. هذا ما حصل تحديداً مع جورج بوش الأب وشامير. وكذلك فيما يخص علاقة كارتر وبيجن، سرعان ما أصبح رونالد ريغان رئيساً للبلاد وهو واحد من أبرز الرؤساء المؤيدين لإسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة. لكن حتى ريغان نفسه اختلف مع بيجن مع أن العلاقة الأمريكية الإسرائيلية زادت قوة في تلك الحقبة.
أكثر ما يثير الاهتمام في المستقبل القريب هو احتمال إنشاء مشروع مشترك فاعل، ذلك ان تغيير القادة يبقى مستبعداً، ويبقى الملف الإيراني موضوعاً شائكاً وسط هذه المعطيات كلها، فلا يمكن تجاهل الأثر المترتب على أي ضربة إسرائيلية محتملة ضد المواقع النووية في إيران، لكن يعتبر البعض أن تداعيات هذه القضية ستسهم في تقريب المسافة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وتحديداً في حال وجود رد إيراني صارم.
في نهاية المطاف، من المتوقع أن تتدهور العلاقة القائمة بين باراك أوباما ونتنياهو لأن الثقة تبخرت بينهما منذ فترة طويلة، فإذا بقي الرجلان في منصبيهما في عام 2013، فستستمر لعبة شد الحبال بين الطرفين. بعد العودة إلى السلطة ونظراً إلى استمرار الشكوك ومشاعر الاستياء، لن يكون أي من الطرفين مستعداً لمد يد المصالحة.
في ظل غياب أي مشروع مشترك يجمع الطرفين ونظراً إلى وجود قضايا شائكة عدة تفرق بينهما مثل الاستيطان وعملية السلام، ستزداد العلاقات سوءاً وسينعكس هذا الوضع على الروابط الأمريكية الإسرائيلية وأمن إسرائيل والمصالح الأمريكية، وسيتبدد حتماً أي أمل في إقرار حل الدولتين.