الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٤٩ - السبت ١٤ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٠ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


سياسات اقتصادية عميقة المبادئ





في الوقت الذي يخرج فيه الشارع العربي باحتجاجات شعبية واسعة يقدم خلالها المحتجون على هذه السلطة أو تلك، مطالب كثيرة من ضمنها رفع مستويات المعيشة والأجور وتوفير فرص العمل، وتبحث الدول العربية الآليات المناسبة لتوفير مناخات استثمارية جاذبة، وقادرة على استقطاب المزيد من رؤوس الأموال الإقليمية والعالمية، يقول الاقتصاديون إن «توفير اليد العاملة الرخيصة من الأمور المهمة التي يضعها المستثمرون في حسبانهم قبل اتخاذهم قرارات بتوظيف رؤوس أموالهم في هذه الدولة أو تلك».

استقطاب رؤوس الأموال من الخارج، وتوظيفها في سوق من الأسواق، يعزز فرص توفير العمل، ولكن أصحاب الأعمال لن يروق لهم أن تضع الحكومات حدودا أدنى مرتفعة للأجور، وهو ما يتناقض كلية مع مطالب الشعب العربي، الهائج بكل ما للكلمة من معنى اليوم.

وحينها سيكون الخيار المطروح بقوة، هو أن تسن الحكومات قوانين مرنة تسمح للمستثمرين المحليين والأجانب، باستيراد أيدٍ عاملة رخيصة من الدول المصدرة للعمالة، وهناك ستصطدم الحكومات من جديد بجدار، العمالة الوافدة وآثارها الاقتصادية والاجتماعية وحجم التحويلات المالية التي تقوم بها العمالة الوافدة، والآثار، وسرقة مقدرات الشعوب، وهدر أموالها، وغيرها من المشكلات الكثيرة التي تحوم حول الفكرة من أساسها، وهي أفكار (غير ناضجة) لأنها لا تأخذ بالاعتبار ما تقدمه العمالة الوافدة من مستويات وأسباب التنمية مقابل أجور زهيدة جدا في ظروف عمل قاسية جدا، من الممكن جدا أن تؤجج موضوعات لحقوق الإنسان لو وجدت من يتولاها.

وهنا من البديهي أن تبحث الحكومات حلولا بين هذا وذاك، وهو ما نعتقد أن البحرين كانت سباقة إلى إيجادها وتطبيقها بذكاء شديد ورشد إداري كبير منذ سنوات طويلة «أكثر من ثلاثة عقود من الزمان»، حيث تتبع المملكة سياسات راجحة جدا، للموازنة بين معدلات أجور مناسبة لمواطنيها وحدود دنيا توفر مستوى معيشيا ملائما لهم، مع الاحتفاظ ببيئة استثمارية جاذبة، لذلك اعتمدت سياسة دعم السلع الأساسية للمواطنين، لتعزيز مستويات المعيشة، وفي الوقت نفسه تعمل على إبقاء حرية استيراد اليد العاملة المناسبة للمستثمرين، بما لا يؤثر كثيرا على الفرد ومقدراته.

فحسب المعلن من قبل الحكومة ـ على سبيل المثال وليس الحصر ـ فإن الدولة أقرت في ميزانية الدولة لعامي ٢٠١١/٢٠١٢، رفع حجم الدعم الحكومي المقدم للسلع الغذائية الاساسية «اللحوم والطحين والدواجن»، من ٨٨,٩ مليون دينار (حوالي ٣٣٧ مليون دولار) إلى ١٣٢,٩ مليون دينار (حوالي ٣٥٤,٤ مليون دولار) بواقع ٦٥,٩ مليون دينار في ميزانية السنة ٢٠١١ و٦٧ مليون دينار في ميزانية عام ٢٠١٢، فضلا عن زيادة المبالغ المخصصة للمساعدات الاجتماعية من ٢٨,٨ مليون دينار إلى٤٠ مليون دينار (حوالي ١٠٦,٦ ملايين دولار) بواقع ٢٠ مليون دينار لعام ٢٠١١ ومثلها لعام .٢٠١٢

مثل هذه السياسات الرشيدة التي تنطلق من مبادئ اقتصادية عميقة جدا، تؤمن للدولة وللمواطنين على حد سواء، فرصا لتوفير قدر معقول من الرفاه الاجتماعي، قلما توافرت في دول عربية أخرى، قادت (الربيع العربي) محدثة ضجة كبيرة على مستوى العالم، وانقلابا فعليا على قياداتها السابقة، رافعة شعارات الشفافية والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وتطبيق الديمقراطيات العامة، ورفع مستويات المعيشة لديها، غير أنها لم تضمن حتى الآن أن القيادات الجديدة التي قدمتها في بعض الدول، أو تسعى إلى تقديمها في البعض الآخر، لتطبيق وتنفيذ مطالبها، قادرة على تلبية مطالبها، بل إنه على العكس من ذلك، فإن الكثيرين بدأوا اليوم ينظرون بالكثير من الشكوك في أن البدائل ستكون أفضل من الواقع الذي كان موجودا.





عبد الرحيم فقيري



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

    الأعداد السابقة