مقالات
من أجل تعزيز مناخ الثقة بالسياسات العامة وبصانعي القرار
تاريخ النشر : السبت ١٤ يناير ٢٠١٢
لا توجد في البحرين استطلاعات رأي دورية من تلك التي تعطينا وتوفر لصانعي القرار أرقاما وتحليلات مقارنة وموضوعية تبين مدى ثقة المواطن بالسياسات العامة للدولة ومدى رضا المواطنين عن الخدمات الحكومية والسياسات التنفيذية في مختلف الوزارات واجهزة الدولة. وأعتقد أن هذه الاستطلاعات لو وجدت، فإنها لن تكون قادرة فحسب على إعطاء صورة حقيقية عن مستوى رضا الناس عن السياسات التي تنتهجها الدولة، بل ستوفر للمسئولين وصانعي القرار كماً هائلاً من المعلومات عن مدى التقدم في السياسات التنموية، وعن مواطن الضعف في هذه السياسات وكذلك في مصفوفات الخدمات.
إن اللقاءات المباشرة بين القيادة والمواطنين، وأخص بالذكر لقاءات صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة مع المواطنين في مجلس سموه أو في مواقع العمل، تستطيع أن تقيس المزاج العام والخاص للمواطنين، وتظهره أمام القيادة على حقيقته وواقعيته. كما انها تتيح للمواطنين التعبير بشفافية عن قضاياهم وهمومهم وربما اعتراضاتهم وشكاواهم.
غير أن هذه اللقاءات الكريمة على أهميتها، ودورها الجوهري في طبيعة السياسة البحرينية، لا تكفي لوحدها من أجل تمكين المسئولين والوزراء من الوصول إلى الأرقام الموضوعية وقياس الانطباعات الفردية والعامة عن أداء جميع الاجهزة الحكومية وخاصة وزارات الخدمات والاجهزة المعنية بالتنمية.. فالإدارة الحديثة تحتاج إلى أرقام ودراسات مقارنة ومؤشرات واقعية، كما تحتاج أيضاً إلى استطلاع مستويات الرأي العام عن كل قضايا الوطن وشئونه وشجونه.
إن تعزيز مناخ الثقة الشعبية بالسياسات العامة وبصانعي القرار، لا يمكن التوصل إليه فقط من خلال الآراء والانطباعات اللحظية التي تنقلها الصحف أو وسائل الاعلام؛ بل يتطلب الأمر اجراءات وممارسات مؤسسية ودراسات استطلاعية متخصصة لإضاءة الطريق أمام المسئول والمواطن على حد سواء. ففي دراسة استطلاعية قامت بإجرائها إحدى الجامعات الفرنسية مؤخراً، عن أسباب تراجع تجارة وصناعة الأجبان الفرنسية العريقة، مقارنة بمثيلتها الأمريكية الجديدة والناشئة، تبين للمسئولين عن الدراسة أن كثيراً من الزبائن التقليديين للأجبان الفرنسية، لم يعد يهمهم التغليف والتعبئة الفاخرة جداً وما تضيفه من أرقام على اسعار المنتج الفرنسي، وأن كثيراً من التقاليد الارستقراطية والكلاسيكية للأجبان قد تراجعت بغياب كبار السن من الفرنسيين، فيما عجرت المصانع التقليدية عن استيعاب متطلبات الشباب والاستجابة لها، فتوجه هؤلاء إلى الصناعة الامريكية.
والخلاصة.. أن هذه الدراسة الاستطلاعية ـ مثلاً ـ قدمت معلومات ومؤشرات واقعية ومقارنة إلى أصحاب المصانع، و إلى كبار التجار والموردين، و إلى شركات الدعاية والإعلان..الخ. وكانت النتيجة أن صناعة وتجارة الأجبان الفرنسية عادت خلال سنتين فقط إلى موقع السيادة العالمية أولاً، وإلى ضخ مئات الملايين للخزينة الفرنسية ثانياً، من خلال مراعاة المؤشرات والانطباعات التي قدمتها الدراسة الاستطلاعية!
إن أساليب الادارة الحديثة ومبادئ الحوكمة العصرية تنظر إلى المواطنين المتلقين للخدمات والذين تستهدفهم السياسات التنموية باعتبارهم «زبائن» أو «مستهلكين»، فتسعى للتعرف على انطباعاتهم، وميولهم، ومدى تقبلهم أو رفضهم هذه الخدمة أو تلك.. وهي انطباعات وآراء ومواقف لا تبقى حبراً على ورق، بل تتحول إلى مصادر للتغيير والتعديل والتصحيح والمتابعة. فهذه الاستبيانات والاستطلاعات، تتحول إلى قرارات.. وقرارات مصيرية احيانا.. وهذا ما نحتاج إليه في البحرين التي تسعى لتكون دولة منافسة على مستوى المنطقة في كل مناحي التنمية والخدمات ونوعية الحياة.
في الشأن الوطني: جهود المصالحة.. مشكورة.. ولكن!
مع وافر احترامنا وتقديرنا لكل الجهود التصالحية التي نشهدها ونسمع عنها اليوم. إلا أننا نستغرب من ان غالبية هذه الجهود وما ينبثق عنها من زيارات ونشاطات، تجري كلها في الجهة التي هي اصلا مع المصالحة ولا تمارس العنف ولا تدعو إليه.. والسؤال: ما هي الحاجة إلى كل هذه الجهود اذا كانت تجري في جهة واحدة من الساحة ولا تحاول اقتحام الجهة الأخرى؟!