الجريدة اليومية الأولى في البحرين


شرق و غرب


بشار الأسد والسيناريوهات المطروحة

تاريخ النشر : السبت ١٤ يناير ٢٠١٢



لقد كان بشار الأسد في الخطاب الذي ألقاه يوم 10 يناير 2011 وفيا لأسلوبه الذي يزاوج ما بين السلبية من ناحية اولى والعدوانية من ناحية ثانية، حيث انه أبدى تصميمه على القضاء على من سماهم المنشقين، كما وعد بحزمة من الإصلاحات التي يكتنفها الغموض. بصفة عامة يمكن القول ان مثل هذا السلوك ينم عن عناد ومكابرة وكراهية وحالة تبعث على الشفقة والتعطيل مع نزعة لتكوين أوضاع فوضوية.
منذ بداية انتفاضة الشعب السوري في شهر مارس 2011، ظل بشار الأسد - الذي لم يكن أبدا يرغب في الرئاسة والذي أثبت أنه غير كفؤ لتوليها - يظهر كل هذه العيوب الشخصية بل أكثر منها.
من المهم جدا التنبه للحالة الذهنية التي أصبح عليها بشار الأسد في وقت تتفاقم فيه الأزمة التي ظلت تتعمق في سوريا على مدى الأشهر التسعة الماضية، من دون أن يطفو على السطح أي مؤشر يوحي أن الحل ممكن والنهاية وشيكة.
تباينت آراء النقاد والمحللين، فالبعض يقول ان الرئيس معزول ومنقطع عن الواقع فيما يقول آخرون انه مجرد بيدق تحركه أياد أخرى خفية بل يعتبرونه مجرد رهينة بأيدي أقرباء له أقوياء وشخصيات عسكرية نافذة. إنه بكل تأكيد لا يعطي أي انطباع بأنه سعيد في منصبه.
أيا كانت الحقيقة، فإن الضغوط التي يواجهها بشار الأسد الآن لا تحتمل، مع وجود أكثر من خمسة آلاف قتيل عند عتبة بابه، وانضمام القادة العرب إلى موقف الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا للمطالبة باستقالته من منصبه، إضافة إلى احتمال ملاحقته من قبل المحكمة الجنائية الدولية المنبثقة عن منظمة الأمم المتحدة بتهمة ارتكاب جرائم الإنسانية والحديث عن انهيار وشيك لنظامه واحتمال انزلاق البلاد برمتها في أتون الحرب الأهلية.
هذه هي السيناريوهات المحتملة لما قد يؤول إليه الوضع في سوريا في قادم الأيام:
1- الفرار
إذا تردت الأوضاع في سوريا وأصبح من الصعب على بشار الأسد التعاطي معها فإنه قد قد لا يجد من خيار آخر سوى الفرار لينسج على منوال الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي الذي كان أول ضحايا ما أصبح يعرف بالربيع العربي.
قد يجد بشار الأسد الملاذ في الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو حتى في روسيا التي ظلت تحمي نظامه وتذود عنه من الضغوط الدولية إلى حد أنها أرسلت بعض قطعها الحربية إلى ميناء طرطوس السوري تعبيرا من سلطات موسكو عن التضامن مع نظام دمشق المحاصر من كل جهة. إذا ما قرر الأسد الرحيل فإنه سيصطدم بمسألة مهمة تتعلق بزوجته البريطانية المولد أسماء وأطفالهما الثلاثة. إذا ما رغبت الزوجة في العودة لأسرتها في ضاحية اكوتن في غرب لندن فإن بريطانيا قد تجد نفسها تعاني صداعا دبلوماسيا وأمنيا أيضا.
لقد شدد بشار الأسد في خطابه الأخير على أنه لن يغادر سوريا ولن يذهب إلى أي مكان غير أنه بدا واهما وهي الحالة نفسها التي كان عليها العقيد الليبي معمر القذافي الذي لقي حتفه في نهاية المطاف. قال بشار الأسد: «لست ممن يتخلى عن المسؤولية. أنا في هذا الموقع بفضل تأييد الشعب وإذا ما غادرت فإن ذلك سيكون نزولا عند رغبة الشعب».
2- المواجهة حتى النهاية
إن الطريقة الدموية التي يتعامل بها بشار الأسد مع الأزمة الحالية مستلهمة من الأسلوب الذي يتعامل به الأسد الأب: حافظ الأسد، مع كل صوت مخالف وهو الذي تلطخت يداه مع انتفاضة مدينة حماة حيث يعتقد أنه أباد ما لا يقل عن عشرة آلاف من سكانها. الفرق أن أساليب القمع لم تفلح هذه المرة في إيقاف موجة الاحتجاجات التي لم تعد تقتصر على مدينة أو قرية واحدة أو منطقة معزولة، فالمعارضون المناوئون للنظام يجدون كل الدعم من الجنود السوريين المنشقين الذين لجأوا إلى المقاومة المسلحة. لا يخفى على أحد أن نظام بشار الأسد يتلقى المساعدة من الخارج رغم أنه قد يصعب إثبات الأمر.
حذر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان من «أن سوريا قد تنزلق في أتون حرب دينية وطائفية وهو ما يجب العمل على تفاديه». إن هذه المخاوف التي عبر عنها أردوجان تتردد أصداؤها عبر دول المنطقة وفي الغرب أيضا. في هذه الأثناء يظل بشار الأسد يواجه إشكالية حقيقية: إذا ما استمرت أعمال القتل، أي إذا لم ينجح في استعادة زمام السيطرة على الأوضاع، فإن بعثة جامعة الدول العربية قد يتم سحبها بعد أن تفقد كل مصداقية لها. عندها قد يحول الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي الذي قد يقرر تكرار السيناريو الليبي نفسه.
في الوقت الراهن لم يظهر أي مؤشر يوحي بأن أسلوب القمع ينفع نظام بشار الأسد. رغم ذلك فإن بشار الأسد لم يبد في خطابه أي نية لتغيير سياساته حيث انه بدا في حالة إنكار للواقع.. فكل همه أن يعيد فرض النظام حتى إن تطلب الأمر «ضرب الإرهابيين بيد حديدية».
3- التفاوض
لقد عاد بشار الأسد ليقدم وعودا فضفاضة وعائمة بالإصلاح، ومن ضمنها إجراء استفتاء دستوري على نظام التعددية السياسية في شهر مارس القادم، غير أن مثل هذه الوعود السياسية لا تتسم بأي مصداقية بعد أعوام لم يعرف خلالها السوريون إلا الوعود الوهمية والكاذبة بالإصلاح. حتى إذا كان بشار الأسد صادقا في وعوده الإصلاحية فإن شركاء النظام قد يتصدون له، وخاصة شقيقه ماهر الأسد الذي يعتبر أقوى رجل في المنظومة الأمنية السورية التي تعتبر مسؤولة عن حمام الدم.
لقد أحرق بشار الأسد كل مراكبه حيث انه قوض العلاقة مع الدول العربية والبلدان الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وهي الدول التي كانت قد علقت عليه في البداية آمالا كبيرة عندما تولى مقاليد الحكم كخليفة لوالده سنة .2000
إن هذه الدول، إضافة إلى البلدان المجاورة الأخرى مثل تركيا، لا تريد اليوم أي بديل متاح أمام بشار الأسد سوى التنحي عن الحكم. لعل ما يبعث على السخرية أن إسرائيل - العدو اللدود لسوريا - تفضل بقاء بشار الأسد في الحكم ضمانا لاستمرار استقرار الحدود بين البلدين. فإذا كان البديل هو قيام نظام سني معاد للغرب فإن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل قد تفضلان بقاءه في السلطة.
لقد صب بشار الأسد جام غضبه على بقية القادة العرب كما قال ان «جامعة الدول العربية قد فشلت على مدى العقود الستة الماضية في اتخاذ موقف يخدم المصلحة العربية.. يجب ألا نفاجأ اليوم». لكنه قال في الوقت نفسه أن سوريا «لن تغلق الباب» أمام أي اقتراح عربي يحترم سيادة سوريا ووحدتها، وهو ما يعني أنه قد يكون يبحث عن حل إقليمي يحفظ له ماء وجهه ويمكنه من البقاء في الحكم.
قد تمثل مصر نموذجا لما قد يحدث في سوريا بحيث تتم تنحية رأس الهرم وتقديمه لمحاكمة صورية غير أن النظام نفسه - الممثل في المجلس العسكري والأطراف الأخرى المتنفذة - يظل قائما على أرض الواقع.