شرق و غرب
مأزق الجامعة العربية في سوريا
تاريخ النشر : السبت ١٤ يناير ٢٠١٢
مع تبخر كل إمكانية لإجراء مفاوضات تفضي إلى إنهاء الأزمة السورية ازدادت الأصوات المطالبة بالتدخل العسكري الدولي.
عندما بدأت الانتفاضة الشعبية في سوريا قبل عشرة أشهر كان المتظاهرون يعترضون بشدة على فكرة اللجوء إلى حمل السلاح ضد النظام الحاكم في دمشق أو المطالبة بالتدخل العسكري الأجنبي.
الآن وقد فاق عدد القتلى المدنيين على أيدي أجهزة الأمن والميليشيات المسلحة الموالية للنظام ستة آلاف فإن الكثيرين قد غيروا مواقفهم. يمثل المجلس الوطني السوري المظلة الرئيسية المعارضة في المنفى وقد دعا المجتمع الدولي إلى إقامة «مناطق آمنة» كما أبدى دعمه للجيش السوري الحر الذي يضم الضباط والجنود الذين انشقوا عن الجيش النظامي والذي يخوض اليوم حملة مسلحة ضد النظام الحاكم في دمشق، علما أن رئيس المجلس الدكتور برهان غليون يقول ان المهمة الأساسية للجيش السوري الحر تتمثل فقط في القتال من أجل حماية المتظاهرين.
تقول المحامية والناشطة الحقوقية رزان زينونة، التي تقيم في دمشق والتي تطالب بضرورة الحفاظ على سلمية الثورة:
«بعد مرور عشرة أشهر على بداية الانتفاضة أصبح الناس يريدون وقف آلة القتل بأي طريقة».
في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بدأ بعض معاهد البحوث والدراسات المقربة إلى المحافظين الجدد - الذين كانوا يؤيدون جورج بوش - تتحدث عن ضرورة التدخل الأجنبي في سوريا.
لقد بدأت هذه الأصوات تكتسب صدى متواصلا وخاصة في ظل الدلائل التي تؤكد قرب فشل جامعة الدول العربية في التوسط من أجل تسوية سلمية تمهد لإجراء انتخابات تعددية والتعجيل بتنحي بشار الأسد عن منصبه.
يوم 27 ديسمبر 2011 سمحت سلطات دمشق بدخول بعثة جامعة الدول العربية ما أعطى الأمل في إمكانية تراجع أعمال القتل اليومية التي يذهب ضحيتها العشرات، غير أن منظمة الأمم المتحدة قد أعلنت أن قرابة 400 من المتظاهرين قد قتلوا منذ وصول المراقبين العرب إلى سوريا.
لم توافق السلطات السورية على بروتوكول مهمة المراقبين إلا بعد أن أدخلت جامعة الدول العربية تعديلات عليه، ومن ضمنها خفض عدد أفراد البعثة من خمسمائة إلى 150 شخصا فقط. لقد زار المراقبون حتى الآن بعض البؤر الساخنة وتحدثوا إلى المتظاهرين وأدانوا لجوء النظام إلى استخدام القناصة من أجل قتل المحتجين، غير أنهم فشلوا فشلا ذريعا في توفير الحمايتين السياسية والجسدية اللازمتين للمتظاهرين كما أنه فشلوا في «تنعيم» الحملة الأمنية الشرسة التي يقودها نظام بشار الأسد ضد المعارضين لنظامه.
وفق مبادرة الجامعة العربية فقد وافق بشار الأسد على سحب الدبابات من المدن وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وفتح قنوات الحوار مع المعارضين. لقد ذكر الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي أنه قد تم سحب الدبابات من المناطق السكنية والإفراج عن ثلاثة آلاف وخمسمائة من المعتقلين غير أن نشطاء سارعوا إلى تفنيد ذلك الكلام. إلى ذلك فقد اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش ومقرها نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية نظام بشار الأسد بإخفاء المعتقلين في الثكنات والمنشآت العسكرية. أما النشطاء فقد قالوا ان الدبابات قد عادت إلى بؤر الثورة السورية وفي مقدمتها حمص التي تعتبر ثالث أكبر مدينة سورية والتي تحولت إلى القلب النابض للانتفاضة المناهضة لنظام بشار الأسد. لايزال القتلى يسقطون بالعشرات يوميا جراء استمرار قصف المدافع وأعمال القتل التي تمارسها الميليشيات الموالية للنظام إضافة إلى القناصة الذين يعتلون أسطح المباني.
لعل ما زاد من الشكوك حول مصداقية بعثة جامعة الدول العربية تعيين الرئيس السابق للمخابرات السودانية مصطفى دابي، المتهم من قبل منظمة العفو الدولية بالتورط في الجرائم الفظيعة التي ارتكبت في دارفور خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي، بل إن الاتحاد البرلماني العربي المتفرع عن جامعة الدول العربية والمعروف بضعفه قد طالب بسحب المراقبين العرب من سوريا.