لماذا أبوبكر أولا؟
 تاريخ النشر : الأحد ١٥ يناير ٢٠١٢
بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح
لاتزال طائفة من المسلمين تستنكر خلافة الخلفاء الراشدين على هذا النسق الذي تم، ويجيزون لأنفسهم اتهام الجيل الأعظم والأورع والأزهد بأنهم جاروا على حق الامام علي رضي الله عنه في التقدم عليه بالخلافة، هذا اذا كانوا يعترفون أساسا بحق الخلفاء الثلاثة: أبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله تعالى عليهم في الخلافة أصلا.
ولنسلم بأن هذه الطائفة من المسلمين تعترف بحق هؤلاء الخلفاء في الخلافة الا انها تعترض على تقدمهم على الامام والأئمة الاثني عشر من ولد الامام الحسين رضوان الله تعالى عليهم.
وسوف نحاول في هذا المقال والذي يليه الاجابة عن سؤال لماذا أبوبكر أولا؟ ثم سؤال لماذا عمر ثانيا؟
وهما سؤالان جديران بالطرح، كما هما جديران بأن نقدم للمسلمين عامة الجواب عنهما محاولة لحسم الخلاف الدائر منذ زمن السقيفة حول قضية الخلافة ومن هو احق بها.
وللإجابة عن سؤال: لماذا أبوبكر أولا؟ نقول:
بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واجه المسلمون موقفا لم يعدوا أنفسهم له، وهو خلو الساحة الاسلامية من قائد وزعيم يقود مسيرة الأمة ويرعى شئونها، فلم يدر بخلد المسلمين من فرط حبهم لرسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، وتعلقهم به أن يتصوروا الحياة من دونه، أو أن يسمحوا لأنفسهم بأن يفكروا مجرد تفكير في امكانية غياب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن حياتهم، ولذلك ثار عمر رضي الله عنه وأمسك بسيفه وتوعد من يقول بموت رسول الله بأن يقطع عنقه، وأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في ظن عمر وعدد كبير من المسلمين انما ذهب الى ربه كما فعل نبي الله موسى عليه السلام وانه سوف يعود.
لقد فقد المسلمون صوابهم بفقد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، كأنه عليه الصلاة والسلام عقلهم الذي يفكرون به، وقلبهم الذي ينبض في صدورهم، بل هو الروح التي تسري في ابدانهم ولا حياة لهم من دونه.
والسؤال: من كان على موعد مع هذا الحدث الجلل الذي اعاد للمسلمين صوابهم، وطمأن النفوس وهدأ من روعهم؟
انه الصديق ابوبكر الذي صار بعد ذلك خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في رعاية شئون المسلمين.
نعم انه ابوبكر، ولماذا لا يكون ابوبكر الخليفة الأول وهو الصاحب في الغار وقبل الغار كان صاحبا ملازما لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) منذ ان كانا يافعين، وكانت صداقتهما يضرب بها المثل، وكان حب أبي بكر لرسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لا يعادله شيء حتى انه اذا مرض رسول الله فعاده أبوبكر رجع أبوبكر الى داره مريضا حتى يشفى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟
انهما روح واحدة في جسدين، ولقد كان أبوبكر رضي الله عنه اشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما اخبرت ام المؤمنين عائشة رضوان الله تعالى عليها، ولهذا كان المسلمون احوج ما يكونون بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الى رجل فيه من صفات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الشيء الكثير.
هذه واحدة، ثم ان أبابكر هو الرجل الوحيد من المسلمين الذي استطاع أن يملك اعصابه، وان يستحضر من الأدلة القرآنية ما يقنع بها المسلمين بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وذلك حين قال للمسلمين: ايها الناس، من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت، ثم تلا قوله تعالى: «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين» (آل عمران/١٤٤).
وفوجئ عمر رضي الله تعالى عنه عند سماعه هذه الآية كأنه أول مرة يسمعها، مع ان المسلمين كانوا يتلونها في صلواتهم، ولكن الله تعالى حجب دلالتها عن المسلمين حتى يأتي وقتها، كأنها ما نزلت الا لذلك الموقف العصيب.
نعم من غير ابي بكر يملك رباطة جأشه ويتذكر هذه الآية الساطعة البرهان في وقت تذهل كل مرضعة عما ارضعت، وترى الناس حيارى وما هم بحيارى ولكن مصابهم في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عظيم جليل؟
نعم أبوبكر هذا تمسك بموقفه في انفاذ جيش اسامة بن زيد، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوصي بانفاذه، وصمم أبوبكر الصديق رضي الله عنه على تنفيذ وصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رغم اعتراض كثير من المسلمين بحجة ان العرب ارتدوا في اطراف الجزيرة، وان الدولة الفتية بحاجة الى مزيد من القوات لمواجهة هذه الردة ولكن الصديق رضوان الله تعالى عليه لم يعر هذه الاعتراضات أي اهتمام، بل كان همه الأكبر ومسئوليته العظمى هما تنفيذ وصية رسول الله حتى لو لم يبق في المدينة غير ابي بكر وقلة من المسلمين، وكان موقفه هذا قمة في الحكمة وسداد الرأي فقد فت في عضد الروم هذا الموقف وقالوا: كيف يحاربنا ابوبكر ولديه من الفتن ما لديه؟ لا شك انه يملك الكثير وكان سبب هذا الموقف نصر الله المسلمين على الروم.
وموقفه من اهل الردة ومحاربتهم رغم اعتراض عمر رضي الله عنه بحجة انهم موحدون، فما كان من ابي بكر الا ان قال له: يا عمر جبّار في الجاهلية خوّار في الاسلام؟
فكان رد عمر: كيف تقاتل من يشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله؟
قال له الصديق: يا عمر الا بحقها، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، ولو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه الى رسول الله لقاتلتهم عليه، ان الزكاة حق الفقراء في اموال الأغنياء.
موقف عظيم وجليل والمؤهل الوحيد لمثله هو ابوبكر الصديق رضوان الله تعالى عليه، ولو تصورنا غير ابي بكر في هذا الموقف لكان رد فعله مغايرا تماما لرد فعل ابي بكر، لهذا كان ابوبكر اولا.
ان اي قرار أو حكم او موقف يصدر عن الانسان وهو في حالة انفعال يكون قرارا خاطئا، وحكما غير سديد، وموقفا ضعيفا، ولهذا فحين ننظر الى ما دار بين الصحابة رضوان الله تعالى عليهم في يوم السقيفة وما جرى فيه من الاجماع على خلافة ابي بكر من دون ان نستحضر كل المؤهلات التي تجعل من ابي بكر الصديق رضوان الله تعالى عليه الرجل الوحيد الذي توافرت فيه كل المؤهلات لتجعله في المقدمة حتى على عمر الذي حاول ابوبكر ان يقدمه على نفسه، بل سارع عمر إلى مصافحة ابي بكر ومبايعته حتى يحسم الخلاف حول من يكون خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
ولو حاولنا ان نجيب وبايجاز عن سؤال: لماذا أبوبكر أولا؟ لقلنا:
انه الصديق الحميم لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي لم يفارقه طوال حياته.
ولأنه أكثر الصحابة شبها به (صلى الله عليه وسلم)، وكان المسلمون بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) احوج ما يكونون الى فترة انتقالية تنقلهم من عهد الرسالة والرسول الى عهد الخلافة الراشدة، وكانت فترة حكم ابي بكر الصديق هي تلك الفترة الانتقالية.
ولأنه رضي الله عنه وقف مواقف لا يقفها غيره في انفاذ جيش أسامة كما اوصى بذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبمحاربة المرتدين واجبارهم على دفع الزكاة، وموقفه عند وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وكيف اعاد الى المسلمين صوابهم وصحح عقيدتهم.
وبهذه المواقف التي أهلته لأن يكون الخليفة الأول بعد رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) من دون منازع، فان أبابكر يستحق أن يكون أولا ثم يأتي الخلفاء من بعده، حسب الترتيب الذي اختاره الله تعالى لهم ولا راد لقضاء الله وقدره ومشيئته.
والسؤال بعد هذه الافاضة في شرح الاسباب، وتقديم المؤهلات للخليفة الأول أبي بكر الصديق، هل انتهى الخلاف حول الخلافة؟ وهل نوكل ما جرى بين الصحابة رضوان الله تعالى عليهم الى الله تعالى ونقول: انهم قد أفضوا الى ما قدموا وان سابقتهم في الاسلام وجهادهم فيه يشفعان لهم عند خالقهم تعالى، واننا لسنا في مقام يسمح لنا بالحكم عليهم وبتجريم من نجرم وبراءة من نبرئ ونترضى عليهم كما ترضى الله عليهم؟
.