الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


صالح المطلك وحصاده المر مع نوري المالكي

تاريخ النشر : الأحد ١٥ يناير ٢٠١٢



ئاختلف كثيرون سياسيا وفكريا مع الدكتور صالح المطلك نائب رئيس الوزراء المهدد بالاقالة او الاستقالة حاليا، وعدد منهم أصدقاء له بسبب تعاونه السياسي مع نوري المالكي ومشاركته في حكومته وموافقته على ان يكون نائبا له في صفقة تفتقر الى التوازن والتكافؤ خرج منها المالكي رابحا وحده بينما شملت الخسارة ليس المطلك بمفرده وانما القائمة العراقية بائتلافها وقادتها ونوابها وجمهورها وناخبيها.
وشخصيا حذرت المطلك من الاتصالات الجانبية التي كان يجريها معه نوري المالكي بعيدا عن الاضواء لجر رجله واسقاطه في الفخ الذي نصبه له وطالبته برفض استقبال موفده عزة الشابندر الذي كان يتردد على عمان ودمشق وبيروت في زيارات مكوكية لعقد صفقة (مالكية ـ مطلكية) وصلت في بعض مراحلها الى ترشيح صالح إلى رئاسة الجمهورية. وكنت اقول لصالح في لقاءاتي الطويلة معه على امتداد أكثر من ثلاثة أشهر وخصوصا في الفترة التي أعقبت الانتخابات النيابية الاخيرة في آذار (مارس) 2010 كن صلبا في تعاطيك السياسي مع المالكي لأنه شخص لا يفهم في السياسة بقدر ما تدره عليه من فوائد ومنافع وامتيازات وسلطات ومال، وقد اثبتت السنوات الاربع من ولايته الاولى انه أشبه ما يكون بشبح إنسان تقوده وتحركه مجموعة هواجس تلازمه على الدوام وكوابيس تجثم على صدره بلا انقطاع وخوف دائم من الآخر سواء كان ذاك الآخر صالح المطلك او اياد علاوي او عادل عبدالمهدي او طارق الهاشمي او مسعود بارزاني او مقتدى الصدر او عمار الحكيم، بمعنى انه مسكون بـ(الدونية) ازاء كل من هو أعلى منه مكانة وأكثر منه شعبية، وهذا ناتج عن طبيعته القلقة ومحدودية ثقافته وسطحية تفكيره خصوصا انه جاء الى السلطة بلا مقومات وليست لديه مواصفات تؤهله لشغل مناصب ووظائف عليا ولا تاريخ له حتى في حزبه وقد قرأت كتاب السيد صلاح الخرسان (حزب الدعوة الاسلامية.. حقائق ووثائق) من الغلاف الى الغلاف بصفحاته التي قاربت (800 صفحة) ولم اجد ذكرا او اشارة الى اسم نوري المالكي او جواد المالكي اسمه السابق او ابوإسراء المالكي اسمه الحركي رغم ان الكتاب كما يقول مؤلفه هو عبارة عن (فصول من تجربة الحركة الاسلامية في العراق خلال أربعين عاما) وتضمن شهادات وانطباعات ومواقف العديد من مؤسسي الحزب ودعاته وقادته وكوادره.
وكنت أقول للمطلك - وكان يحيطني علما باجتماعاته مع مبعوثي المالكي أمثال عبدالحليم الزهيري ومجيد ياسين وحيدر العبادي في بيروت ولقاءاته لشابندر في عمان واتصالات حسن السنيد الهاتفية اليومية به - ان هؤلاء مجرد موظفين عند المالكي يستخدمهم في ايصال رسائله فحسب، بمعنى انهم (سعاة بريد) ولديهم استعداد لانكار أي شيء مما حصل أو حدث من خلالهم لأنهم أصلا اضطروا الى مسايرة المالكي واستقلوا مركبه بعد ان اصبح رئيسا للحكومة في مطلع عام 2006 وأصغر واحد فيهم لو فتحت قلبه لوجدت أكبر عضلة فيه تنبض بالكراهية له، لأنه في نظرهم مغمور جاء من آخر الصفوف الخلفية لحزب الدعوة وصار أمينا عاما له ورئيسا للوزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة وصاحب رصيد بالعملات الصعبة ينافس أرصدة كثير من أمراء النفط واباطرة المال واصحاب الشركات العملاقة.
وفي الموروث الشعبي العراقي ثمة حكايات وعبر تحذر من سطوة وغدر الـ(ما شايف) أي الشخص الغريب على الناس والبعيد عن همومهم، فمثل هذا اذا ساد في غفلة من الزمن فان ممارساته وتصرفاته ستنتجان لا محالة كوارث ونكبات، ومثل المالكي ينطبق عليه المثل الشعبي المتداول (شاف ما شاف...الى آخره) لذلك من الطبيعي ان يكون الخوف من نموذج كهذا مشروعا وخصوصا لمن يتعامل معه أول مرة، فالمالكي شخص غامض ومحير لا أحد يعرف كيف جاء الى حزب الدعوة ومتى وأي طريق سلك ومن رشحه ومن زكاه ومن عينه مسؤولا لمكتب الحزب في دمشق؟ واقرأوا ما سطره النائب الحالي حسن العلوي في كتابه (شيعة السلطة وشيعة العراق) في طبعته الاولى عام 2009:
«في شقة فوق مخبز في حي الصناعة بدمشق، أقام شخص عراقي يدعى ابواسراء وكان اسمه جواد المالكي، وقد ظهر ان هذا الاسم هو الآخرغير صحيح، ولا شيء معروف عن هذا الشخص، فامكاناته محدودة ومستوى ثقافته لا يؤهله لدور ثقافي او سياسي، لكنه وُصف بأنه مسؤول تنظيم حزب الدعوة في سوريا ولم يكن فيها لا سابقا ولا لاحقا أكثر من خمسين فردا من هذا الحزب كانوا يؤدون طقوسهم الدينية في الحسينية الحيدرية في حي الحجيرة القريب من السيدة زينب يساعده سائق سيارة يدعى ابومجاهد الركابي في توزيع نشرة يصدرونها شهريا، لكن علاقته بمسؤول في القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي كانت جيدة حيث كان المالكي يزوره ويحصل على موافقات رسمية منه على طلباته التي هي في الغالب تتصل بمنح سيارته الاعفاء الجمركي والسماح له بالسفر الى لبنان عن طريق الخط العسكري الخاص، وفي كل الاحوال لم يقف المالكي خطيبا في مكان بل لم يكن معروفا لدى العراقيين طيلة وجوده في سوريا ما بين أعوام 1982 و2003»، انتهى كلام العلوي.
وكان أنشط مبعوثي المالكي الى المطلك هو بلا شك عزة الشابندر، حيث تفوق على نظرائه الزهيري والسنيد والعبادي ومجيد ياسين في اقناع صالح والتجاوب مع وساطته، فالشابندر لمن لا يعرفه يملك لسانا ملتويا وصاحب مواقف متقلبة حسب الظروف والمواسم وهو ابتدأ حياته السياسية في حزب الدعوة وانشق عنه وشكل حركة سماها (جند الامام) كان يقول للإيرانيين انها تعني جند الامام الخميني بينما يهمس في آذان الشيعة العراقيين انه يقصد جند الامام الحسين، ثم انتقل الى وفاق اياد علاوي مدة اربع سنوات (دورة انتخابية كاملة) ثم انقلب عليه في نهايتها ليستقر في أحضان المالكي نائبا ومستشارا.
وقد لاحظت من خلال المتابعة، ان المطلك بدأ يقتنع شيئا فشيئا بطروحات الشابندر ومساعيه (الحميدة) وما يحمله من رسائل مالكية مفعمة ظاهريا بالحب والتقدير لصالح، واذكر جيدا ذات مرة ان المطلك حسم مناقشة حادة جرت معه كان الشابندر محورها عندما قال لي غاضبا (انت غلطان في تقييمك لعزة.. انه مفكر استراتيجي) وشعرت يومها بأن صالح المطلك قد وقع في الكمين وكتبت في حينه مقالة في احدى الصحف العربية اللندنية بعنوان (المطلك.. الخاصرة الرخوة في القائمة العراقية) وبدأت القطيعة بيننا ولاتزال والحمد لله.
ولا اريد ان أخوض في التطورات التي حصلت في الفترة التي سبقت تشكيل الحكومة الحالية برئاسة المالكي وملابسات اجتماعات اربيل والاتفاقية التي حملت اسم المدينة، وكيف جاء نوري ووقعها صاغرا وكان مستعدا لتقديم تنازلات اكبر للمطلك تقديرا لدوره الكبير في اقناع زملائه قادة (العراقية) بضرورة الاتفاق مع (ابي اسراء) والمشاركة في حكومته الجديدة، فهذه أحداث أصبحت من الماضي وباتت تفاصيلها معروفة ولكن يجب التذكير بأن المالكي هو نفسه لا غيره من أصر على ان يكون المطلك نائبا له بدلا من تسلم وزارة الخارجية التي كانت مقررة له، خصوصا بعد اعتذار طارق الهاشمي عن عدم القبول بمنصب نائب رئيس الوزراء استنكافا منه - هكذا نقل عنه ـ بنيابة شخص مثل المالكي الذي سمع بها الاخير وأضمرها في نفسه منذ ذلك الوقت.
وحتى لا نستغرق في التفاصيل فان قبول المطلك بمنصب نائب رئيس الوزراء للإعمار والخدمات كان خطأ سياسيا قاتلا اقترفه صالح من دون ان يدرك ان هذا المنصب - وقد جرده المالكي من السلطات والصلاحيات - قد حوله من مشروع زعيم سياسي الى مجرد موظف حكومي يعدد اياما ويقبض راتبا، ولا اريد هنا ايضا إيراد حوادث عديدة افتعلها المالكي لنائبه المطلك مليئة بالمتاعب والمضايقات والاهمال فهي كثيرة بعضها ينم عن نزعة انتقامية كأن المالكي كان يخفيها في نفسه (تقية) في انتظار الفرصة للثأر من صالح الذي (شلع قلبه) من كثرة الموفدين والرسائل التي بعثها اليه، او انها أحقاد دفين أسرها نوري في أعماقه للحط من شأن وموقع المطلك، والا كيف نفسر حجز نائب رئيس الوزراء وموكبه في احدى بوابات المنطقة الخضراء ومنعه من الذهاب الى مكتبه أكثر من ساعة بلا مبرر، ولم يسمح له بالمرور الا بعد الاتصال هاتفيا بالمالكي وابلاغه بالواقعة، حيث أمر (دولته) كأنه لا يدري آمر حراسة البوابة بتسهيل دخول نائبه والدوام في مكتبه؟
ويقينا.. فان المطلك وبعد ان صار نائبا للمالكي وتم تخصيص مكتب له في المنطقة الخضراء أدرك انه قد خُدع وضلل، وشعر بالتأكيد ايضا انه بات أسير وظيفة هلامية ومنصب صوري، وبدلا من الوقوف بشجاعة في وجه المالكي ورمي استقالته عليه والخروج من قفص الاسر محررا، راح يصبر نفسه على البلوى ويكابر رغم الرغبة الجامحة في صدره للتخلص من الوضع الذي هو فيه وهو وضع قزّمه سياسيا وصغرّه اجتماعيا على الاقل في بيئته التي كانت تنظر اليه باعجاب في المرحلة السابقة وتنتظر منه الكثير فاذا به لا حول ولا قوة، حتى الوزارات التي خصصها القانون لتكون تحت اشرافه لم يعد وزراؤها يطلعونه مجرد اطلاع على ما يقومون به على عكس شهرستاني الذي أحكم قبضته على وزارتي النفط والكهرباء وشاويس الذي ارتبطت به وزارتا التجارة والتخطيط وبعض وزارات الدولة.
وأعرف - رغم القطيعة بيننا - ان صالح المطلك كان طوال الشهور الماضية مأزوما يبحث عن وسيلة تحفظ ماء وجهه الذي تصبب كثيرا وتعيد له بعض حضوره السياسي الذي اندثر، وكان يتطلع الى اتخاذ موقف صادم يحرج المالكي وقد فكر في الذهاب الى ساحة التحرير في أحد ايام الجمع الماضية حيث يحتشد المتظاهرون المعارضون لحكومة المالكي ليعلن من هناك استقالته من منصبه والانضمام الى الجماهير، وكنت شخصيا أتمنى ان يفعلها ولكن بعض إخوته واصحابه نصحوه بعدم الاقدام على ما وصفوها بمغامرة غير محمودة العواقب، فاتجه الى الصحافة والاعلام اللذين يتحسس منهما المالكي، وهنا ضرب المطلك على الحديد وهو ساخن واستغل وجود المالكي في واشنطن وابلغ صحيفة امريكية ان (صاحبكم) دكتاتور يهدم ولا يبني كأنه يخاطب الامريكيين: هذه بضاعتكم رُدت اليكم فمبارك لكم.
سيخرج المطلك من حكومة المالكي سواء وافق مجلس النواب على سحب الثقة منه او رفض، فشهور (العسل) التي جمعت بين الاثنين كانت مليئة بالمنغصات وحافلة بالازمات، وصالح خسر كثيرا عندما قبل ان يكون نائبا للمالكي وهو الاكاديمي الناجح والاستاذ الجامعي وسليل اسرة عراقية أصيلة وابن قبيلة عربية عريقة، خسر جمهورا وانصارا ومؤيدين كانوا يدفعون به الى القمة فجاء تعاونه مع المالكي بهذه الصورة المزرية لينحدر نحو الهاوية واكتشف متأخرا وبعد فوات الأوان انه راح ضحية وعود المالكي البراقة وشِحَن الشابندر الخداعة، هو نادم الان بالتأكيد ويأسف شديد الأسف على اليوم الذي جمعه مع (ابن طويريج) تحت سقف واحد.
* كاتب وسياسي عراقي