الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير


السفير الأمريكي:
أي دور منوط به؟

تاريخ النشر : الاثنين ١٦ يناير ٢٠١٢

فوزية رشيد



{ لربما هو أكثر السفراء على الاطلاق، إن لم يكن الوحيد، الذي أثار تعيينه سفيرا للولايات المتحدة في البحرين، لغطا كبيرا حتى قبل قدومه وتسلمه مهام منصبه، ولايزال اللغط ساري المفعول حتى اللحظة، لأن تحركاته وخطط مواعيده وتموسق خطواته بما يفيد جمعية سياسية واحدة تؤكد الارتياب، وهي جمعية الولي الفقيه (الوفاق) وأتباعها، ورغم ما ترتكبه هذه الجمعية وأتباعها من عمليات تأزيم متواصلة، كل ذلك يعيد الانتباه مجددا الى التحركات اللادبلوماسية للسفير الامريكي (توماس جراجيسكي)، الذي أثار التساؤلات والشكوك بل الرفض الشعبي مسبقا وقبل تعيينه في البحرين، جراء انفتاح الوعي البحريني على تاريخه في العراق بعد الاحتلال، وباعتباره مهندس الطائفية هناك، ومرشد الحاكم العسكري (بريمر) في وضع معايير خاصة لهندسة سياسية منتقاة للنظام السياسي هناك، مما رأينا نتائجه بعد ذلك على أرض الواقع، ولانزال نرى ثمار ما تم زرعه منذ البداية بعد 2003، سواء من حيث رسم خطوط الفتنة الطائفية ومداخلها التي أدت ولاتزال تؤدي أيضا والى اليوم الى مقتل العشرات بل أحيانا المئات من العراقيين بشكل شبه يومي، ناهيك عن نظام سياسي أنتج فعل المحاصصة الطائفية والعرقية، واستبداد طائفة بعينها تابعة لطهران على بقية سكان العراق باستثناء الشمال الكردي المستقل، أي أنتج الفوضى والفتنة والاقتتال.
{ قبل 2003 لم تكن هناك طائفية بالمعنى الحرفي للاقتتال الطائفي والحرب الطائفية في العراق، وانما كان هناك كوادر ذات ولاء عقدي وسياسي لخارج العراق من مكون بعينه، انتظرت لحظة الصفر المناسبة ولحظة زواج المتعة بين واشنطن وطهران، لتدخل كطابور خاص وسط التعقيدات والاشتباكات، التي نتجت عن الاحتلال الامريكي، وانتهى في 2012 ليسلم العراق هدية لذلك الطابور (الطهراني) الذي أنتج بدوره استبداد وديكتاتورية واقصائية رجل مثل (المالكي) لا يعرف إلا الله حجم جرائمه الطائفية.
{ ما أشبه اليوم بالبارحة! البحرين خرجت من أزمة الدوار، لتجد نفسها في وضع جديد، لا يترك فيه المتربصون بها مساحة لالتئام الجرح على وقع ما أثاره الاصطفاف الطائفي، والطموحات العقدية والسياسية لقياداته من جروح غائرة في النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية.
في مثل هذا الوقت الذي يقف فيه شعبنا شاخصا في تبعات الازمة، ويحاول ان يضع حلولا ويداوي الجروح، تختار الولايات المتحدة سفيرها الجديد، الذي ما عاد جديدا، رغم ان صفته البارزة هي اعتبارات تاريخية في العراق كمهندس للطائفية هناك.
{ والسؤال المشروع هو: لماذا اختارته أمريكا هو تحديدا في هذه المرحلة الزمنية الحساسة من تاريخ البحرين.. أي مرحلة العمل على احتواء الازمة والطائفية بعد أحداث فبراير؟ لماذا هو من دون غيره والشروخ الطائفية التي تسببت بها الفئة الانقلابية بحاجة الى ما يداويها، وليس الى من يهندس للمزيد منها؟
لماذا يتصرف السفير الامريكي اليوم وبشكل مكشوف باعتباره داعما ومنسقا مع تلك الفئة وعلى رأسها «الوفاق» وأتباعها، رغم تصعيد خطابها التحريضي، ليس على العنف والتخريب، وانما على «تدويل» الاوضاع في البحرين أيضا، عبر ما تفتعله كل يوم من أزمات؟ ألا يوحي ذلك بأن السفير وسياسته التي يعبر بها عن سياسة دولته، انما يصبان في دعم التطرف والمتطرفين، وتوسيع جدار الازمة والمؤزمين؟
{ لماذا يتصرف السفير خارج حدود اللياقات والعلاقات الدبلوماسية التي تربط عمل وتحركات أي سفارة بعدم التدخل في الشئون الداخلية وحيث يشعر المتابع لتحركاته كأنه الحاكم بأمره خارج الاطر والقنوات الدبلوماسية التقليدية، فيلتقي أطياف مؤسسات وأشخاصا وجمعيات سياسية، كاللقاء الذي جمعه مع «تجمع الوحدة الوطنية» وهو ما يمكن اعتباره عاديا، لولا دفاعه وتسويقه لجمعية تعتبر تأزيمية كالوفاق، التي يقع في مصاف الداعم لها والداعم لما تقوم به من تحريض على العنف والتخريب في المجتمع البحريني؟
{ ألا يفترض منه الحياد من كل المؤسسات والجمعيات وأشخاصها؟ أم انه تكريس لما هو امتداد لوجهة نظر البيت الابيض ورئيسه (أوباما) في دعم جمعية الولي الفقيه أو حزب الله - البحرين، التي في موقف فريد من نوعه ذكرها بالاسم في خطاب له؟
هل هو استمرار في لعب ذات الدور المنوط بأي سفير أمريكي مما كشفته وثائق ويكيليكس في العلاقة مع (الوفاق) وأتباعها؟
{ لماذا يطلب السفير الامريكي لقاء أعضاء في مجلسي الشورى والنواب وأعضاء في الامانة العامة؟ هل من أجل دعم موقف المعارضة الولائية التخريبية ايضا؟
اي مواعيد ولقاءات اخرى قادمة لما يراه الكثيرون انه دخول مباشر في هندسة المزيد من الطائفية وتوسيع الشروخ فيها حين هو يدعم من هو مرفوض من غالبية الشعب البحريني؟
ولعل السؤال المثار اكثر من غيره اليوم: أي نوع من التنسيق الجديد والدعم الامريكي الملازم له، يتم بين السفارة وبين جمعيات العنف الولائية وعلى رأسها «الوفاق» في ظل الاوضاع الراهنة: الداخلية والاقليمية والدولية، وفي ظل تصاعد وتيرة العنف والتخريب في الشارع والاعتداء على رجال الأمن والبحث الدراماتيكي عن مشاريع شهداء وضحايا؟
{ لماذا لم يصدر عن السفير الامريكي اي تصريح لادانة العنف والارهاب في البحرين، أو الدفاع عن القانون وحماية رجال الأمن في ظل الديمقراطية، التي لا يمكن ان تستمر من دون تفعيل القانون وحماية الامن والاستقرار ونبذ العنف، طالما انه يضع مواعيده بما يوحي بالتدخل في الشئون الداخلية؟
اي ديمقراطية ومدنية تينك اللتين يعول عليهما السفير الامريكي وبلده، حين يدعم مباشرة وبشكل مكشوف اليوم جمعية ولائية تابعة للولي الفقيه، وجمعية تتصرف بذات السياق الذي تصرفت به ولاتزال قيادات حزب الله اللبناني؟
موقف الشعب البحريني من أدوار كهذه تقوم بها سفارة أي دولة أجنبية وبما يمس السيادة الوطنية واضح.. فما هو موقف الدولة؟