الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


الأخلاق العسكرية الأمريكية تتساقط

تاريخ النشر : الاثنين ١٦ يناير ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



بعد كل جريمة يرتكبها جنودها المنتشرون في العديد من دول العالم وخاصة تلك التي تعرضت لغزو كما هو في العراق أو أفغانستان، تسارع الإدارة الأمريكية إلى تبرير ذلك بالسلوك «الشخصي»الذي لا يمت بصلة إلى ما تسميه النهج «المتحضر» لتعامل المؤسسة العسكرية الأمريكية مع مثل هذه الجرائم، فتعمد إلى «محاكمة» الجنود بهدف إبعاد الشبهة عن مؤسستها العسكرية، حدث ذلك بعد انتشار فظائع وفضائح جنودها في سجن أبوغريب في العراق ويحدث الآن بعد افتضاح الفعل القبيح الذي ارتكبه عدد من الجنود الأمريكان في أفغانستان حين قاموا بالتبول على جثث مقاتلين من طالبان، حيث سارعت إدارة الرئيس باراك أوباما إلى «استنكار» هذه الفضيحة الجديدة التي تضاف إلى عشرات، إن لم تكن مئات، الفضائح التي تورط فيها جنود أمريكان، سواء في العراق وأفغانستان بل حتى في اليابان.
لا نقول ان ممارسات الجنود الأمريكان غير الأخلاقية وارتكابهم الفضائح والفظائع بحق مواطني العديد من الدول أو المعتقلين الذين يقعون تحت رحمة هؤلاء الجنود كما حدث في العراق، لا نقول ان هذه التصرفات هي عقيدة عسكرية أمريكية أو انها تأتي استجابة لتوجيهات وتعليمات من القادة العسكريين الأمريكان لجنودهم، لكن القيادة العسكرية الأمريكية تتحمل ظهور وانتشار مثل هذه الجرائم نظرا للتبريرات التي تطلقها هذه القيادة بعد انكشاف مثل هذه الجرائم، كما أن تعامل القضاء العسكري الأمريكي مع مرتكبيها لا يرقى إلى مستوى الجريمة نفسها، الأمر الذي يشجع العديد من الجنود على التمادي في الإساءة والإتيان بشتى أنواع الأفعال القبيحة كما فعلوا مؤخرا مع جثث مقاتلي حركة طالبان.
دائما ما تحاول القيادة العسكرية الأمريكية النأي بالعقيدة العسكرية الأمريكية عن مثل هذه الأفعال القبيحة والجرائم «الشخصية» التي يرتكبها الجنود الأمريكان، ومن الطبيعي أن تتخذ القيادة الأمريكية مثل هذا الموقف، ذلك أن الأفعال التي يأتي بها الجنود الأمريكان تقشعر لها الأبدان وتشوه سمعة الجيش الأمريكي الذي هو ليس بحاجة إلى أفعال تضيف إلى ما لحقه من تشويه بسبب القرارات السياسية التي تزجه في أعمال حربية غير أخلاقية وغير قانونية، كما حدث مثلا مع جريمة غزو العراق التي ارتكبها الجيش الأمريكي تنفيذا لقرار سياسي اتخذته إدارة الرئيس جورج بوش الابن.
لكن هل ينفع القيادة العسكرية أي تنصل من الأعمال الفظيعة والقبيحة التي يأتي بها عدد من الجنود الأمريكان بين الحين والآخر؟ من الصعب جدا أن تقابل التبريرات العسكرية الرسمية، مثل «تصرفات شخصية» قبولا، فهذه الأفعال القبيحة تتكرر باستمرار وفي أكثر من مكان، فهناك الكثير من حالات الاغتصاب التي يقترفها الجنود الأمريكان في اليابان، كما أن جريمة سجن أبوغريب في العراق لم تكن الأولى وليست الأخيرة التي اقترفها الجنود الأمريكان، وحادثة التبول على جثث مقاتلي طالبان، وإن كانت الأولى من نوعها، إلا أنها ليست الجريمة الأولى التي يقترفها الجنود الأمريكان في ذلك البلد.
فتاريخ الجيش الأمريكي مليء بشتى أنواع الجرائم، غير الأخلاقية منها وغير الإنسانية، فخلال جريمة غزو العراق على سبيل المثال تفنن الجنود الأمريكان في اقتراف أنواع مختلفة من الجرائم ضد المواطنين العراقيين، وما جريمة سجن أبوغريب إلا واحدة منها، فكلنا يتذكر حوادث الاغتصاب والقتل التي نفذها الجنود الأمريكان في مناطق مختلفة من العراق، وكانت القيادة العسكرية الأمريكية تكرر باستمرار التبريرات نفسها وتتوعد الجنود «بالمساءلة» القانونية ولكن النتيجة تكون دائما «مساءلة» لا ترقى إلى مستوى الجريمة المرتكبة.
إن الإدارة الأمريكية تعرف جيدا السلوك المشين الذي يتصف به العديد من الجنود الأمريكان ونزعة التعالي واحتقار الآخرين التي تسيطر على تصرفاتهم، لهذا لم يكن مستغربا على الإطلاق رفض الولايات المتحدة الأمريكية الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، طبعا أمريكا تبرر هذا الرفض بحجة الخشية من استهداف جنودها لأسباب سياسية، وهذه حجة ساقطة، فالسبب الحقيقي هو حماية جنودها من المساءلة الحقيقية جراء الجرائم التي يقترفونها في الدول التي يكونون موجودين فيها، أما «المساءلة» القانونية الأمريكية تجاه هؤلاء الجنود فهي هزيلة جدا، لهذا تتكرر الجرائم وتتواصل.