الجريدة اليومية الأولى في البحرين


رأي أخبار الخليج


المغزى التاريخي للتعديلات الدستورية الجديدة

تاريخ النشر : الثلاثاء ١٧ يناير ٢٠١٢



جاء خطاب جلالة الملك الذي أعلن فيه إجراء تعديلات دستورية لتطوير صلاحيات ودور السلطة التشريعية في البلاد وخاصة مجلس النواب المنتخب لتكون بمثابة برنامج عمل وطني لتطوير التجربة الديمقراطية والبرلمانية في البحرين، ولتعد ترجمة حقيقية وعملية لوعود جلالة الملك بالاستمرار في تطوير المسار الديمقراطي في بلادنا.
ان الأهمية التاريخية لخطاب جلالة الملك وتوجيهاته بشأن تطوير دور البرلمان والسلطة التشريعية تكمن في الاعتبارات الجوهرية التالية:
أولا: ان هذه التعديلات جاءت استجابة واضحة من جلالة الملك للارادة الشعبية كما تم التعبير عنها في مرئيات الحوار الوطني التي تم رفعها الى جلالة الملك، بما يكرس من جديد النهج الديمقراطي في تطوير عمل المؤسسات الوطنية.
فهي تعديلات جاءت بعد حوار وطني شامل شاركت فيه معظم القطاعات الحيوية والفاعلة والمؤثرة في المجتمع البحريني، والتي أرادت تطويرا في أداء المؤسسة التشريعية والدور الرقابي لمجلس النواب المنتخب بما يعطي دورا أكثر فاعلية للبرلمان في مراقبة أداء السلطة التنفيذية وتسريع إجراءات التشريع للقوانين التي تخدم المصلحة العامة لجموع الشعب.
ومن هنا، فإن هذه الخطوة التاريخية لجلالة الملك تشكل رصيدا اضافيا للتجربة الديمقراطية والمشروع الإصلاحي لجلالة الملك الذي ارتكز دوما على الارادة الشعبية في التأسيس للتطوير السياسي والدستوري في البحرين بدءا من تجربة ميثاق العمل الوطني الذي حظي بإجماع أكثر من 98% من الشعب عبر استفتاء شعبي وصولا إلى تجربة حوار «التوافق الوطني» التي صاغت مرئيات واقعية لكيفية تطوير العمل الوطني في جميع قطاعات الدولة.
ثانيا: ان قيادة البلاد ممثلة في جلالة الملك برهنت من جديد على حكمتها وسعة أفقها وثاقب رؤيتها السياسية، عبر حرصها على الاستماع الى صوت الجماهير والاستضاءة بمقترحات ورؤى النخبة السياسية والاجتماعية في البلاد، فجاءت التعديلات الدستورية الجديدة لتترجم نهج «العقل المفتوح» والانفتاح الفكري والثقافي على كل رأي رشيد يمكن أن يسهم في تطوير التجربة الديمقراطية والاصلاح السياسي في البحرين.
ومن هنا يمكن القول إن هذه التعديلات الدستورية الجديدة هي ترجمة فعلية لتكامل الأفكار البناءة بين القيادة ورموز العمل الوطني المستنيرة.
ثالثا: ان هذه التعديلات الدستورية تمهد الطريق لدور أكبر لمجلس النواب المنتخب من الشعب ليمارس دوره السياسي والتشريعي والرقابي بصورة أكبر عبر صلاحيات أوسع، الأمر الذي يلقي مسئولية أكبر على البرلمان المنتخب ليكون أكثر تجاوبا مع التطلعات الشعبية وبحيث يكون سندا حقيقيا ومؤثرا في صياغة سياسات المستقبل في المجتمع بما يسهم في تطوير الأداء الحكومي في ضوء الدور الرقابي الموسع لمجلس النواب المنتخب.
رابعا: ان التعديلات الدستورية الجديدة سوف تمنح مجلس الشورى مزيدا من الفاعلية في التجربة الديمقراطية، لأنها سوف تضع مزيدا من الضمانات والضوابط بشأن كيفية اختيار أعضاء مجلس الشورى المعين بحيث يتم الاختيار وفق أسس أكثر موضوعية تضمن ان يتمتع بعضوية مجلس الشورى من هو كفء حقا ويتمتع بالمؤهلات العلمية والخبرات والتجارب الحياتية الثرية التي تجعله قادرا على الاسهام بفاعلية في تعزيز مسيرة العمل الوطني وتصويب الأداء الحكومي.
فلن يكون مجلس الشورى مكانا للوجاهة الاجتماعية والسياسية بل ركيزة فاعلة لتدعيم العمل البرلماني واثراء الحياة السياسية والنهج الديمقراطي في بلادنا.
خامسا: اننا نتوقع في ضوء زيادة صلاحيات مجلس النواب في الرقابة على الحكومة وامتلاكه الحق في منحها الثقة البرلمانية أو حجبها عنها عبر اقرار برنامج عمل الحكومة، ان السلطة التنفيذية سوف تلتزم من الآن فصاعدا بمعايير أكثر احترافية وانضباطا في تطوير العمل المؤسسي الحكومي، الأمر الذي سينعكس ايجابا على سياسات التنمية والتطوير الاقتصادي في بلادنا في ضوء الرقابة القوية للبرلمان المنتخب على العمل الحكومي.
ومن هنا، فإن التجربة الديمقراطية في البحرين تتجه نحو مزيد من التعمق والتوازن وتكامل الأدوار بين البرلمان المنتخب والسلطة التنفيذية بما يواكب التجارب الديمقراطية الحديثة في العالم اثر تعميق الدور الرقابي وصلاحيات المساءلة للبرلمان المنتخب لوزارات الدولة.
سادسا: ان هذه التعديلات الدستورية سوف تعطي مجلس النواب المنتخب في البحرين مصداقية أكبر في عيون الجماهير، لأن البعض كان يوجه انتقادات كثيرة الى المجالس النيابية السابقة وكان يتطلع إلى أداء أكثر قوة منها، لكن الصلاحيات المتاحة لتلك المجالس لم تكن تساعدها على تقديم أداء أفضل.
ولكن في ظل التعديلات الدستورية والصلاحيات الجديدة الممنوحة للبرلمان المنتخب فإننا نتوقع أن يرتفع أداء المؤسسة التشريعية ليقترب من تطلعات وطموحات المواطن أو الناخب البحريني.
ان التعديلات الدستورية الجديدة التي أعلنها جلالة الملك لتؤكد أن البحرين ماضية قدما نحو تعميق تجربتها الديمقراطية والبرلمانية نحو آفاق أكثر جدية وموضوعية بما يثري الممارسة الديمقراطية في بلادنا.
وكما قال جلالة الملك في خطابه التاريخي إن «الديمقراطية ليست مجرد نصوص وأحكام دستورية وتشريعية، فالديمقراطية ثقافة وممارسة، والتزام بحكم القانون، واحترام للمبادئ الدولية لحقوق الانسان، مقترنة بعمل سياسي وطني جاد يمثل أطياف المجتمع كافة دون اقصاء أو محاصصة».
والسؤال المطروح حاليا: هل قوى المعارضة السياسية بممارساتها الخارجة على القانون والتي تحرض باستمرار على ممارسات العنف والتخريب هي أهل للمسئولية السياسية والقدرة على تدعيم البناء الديمقراطي في البلاد؟
أم أن فهمها للممارسة الديمقراطية هو أن تعمل على عرقلة كل إجراء يقود الى تعميق التطور الديمقراطي والبرلماني تحت لافتة «المعارضة»؟
اننا نأمل أن تكون هذه التعديلات الدستورية الجديدة فاتحة لمرحلة جديدة يسود فيها التفكير السياسي العقلاني الرشيد الذي يقود بلادنا نحو مراحل أعمق في المسار الديمقراطي والتطور السياسي والدستوري في التجربة البحرينية المتقدمة قياسا بأوضاع دول كثيرة في المنطقة العربية.